مبتغيها ، بل هي على الدوام موجودة ، وجناها قريب يتناوله العبد على أي حال يكون.
[٣٤] (وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ) (٣٤) ، أي : مرفوعة فوق الأسرة ، ارتفاعا عظيما ، وتلك الفرش من الحرير والذهب واللؤلؤ ، وما لا يعلمه إلا الله.
[٣٥] (إِنَّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً) (٣٥) ، أي : إنا أنشأنا نساء أهل الجنة ، نشأة غير النشأة التي كانت في الدنيا ، نشأة كاملة لا تقبل الفناء.
[٣٦] (فَجَعَلْناهُنَّ أَبْكاراً) (٣٦) صغارهن وكبارهن.
[٣٧] وعموم ذلك يشمل الحور العين ، ونساء أهل الدنيا ، وأن هذا الوصف ـ وهو البكارة ـ ملازم لهن في جميع الأحوال ، كما أن كونهن (عُرُباً أَتْراباً) (٣٧) ملازم لهن في كل حال. والعروب : هي المرأة المتحببة إلى بعلها ، وحسن هيئتها ودلالها ، وجمالها ومحبتها ، فهي الّتي إن تكلمت سبت العقول ، وود السامع أن كلامها لا ينقضي ، خصوصا عند غنائهن بتلك الأصوات الرخيمة ، والنغمات المطربة ، وإن نظر إلى أدبها وسمتها ودلها ملأت قلب بعلها فرحا وسرورا ، وإن انتقلت من محل إلى آخر ، امتلأ ذلك الموضع منها ريحا طيبا ونورا. ويدخل في ذلك ، الغنجة عند الجماع. والأتراب اللاتي على سن واحدة ، ثلاث وثلاثين سنة ، الّتي هي غاية ما يتمنى أكمل سن الشباب. فنساؤهم عرب أتراب ، متفقات مؤتلفات ، راضيات مرضيات ، لا يحزنّ ولا يحزنّ ، بل هن أفراح النفوس ، وقرة العيون ، وجلاء الأبصار. [٣٨] (لِأَصْحابِ الْيَمِينِ) (٣٨) ، أي : معدات لهم مهيئات.
[٣٩ ـ ٤٠] (ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (٣٩) وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ) (٤٠) ، أي : هذا القسم ، وهم أصحاب اليمين ، عدد كثير من الأولين ، وعدد كثير من الآخرين.
[٤١] المراد بأصحاب الشمال ، هم أصحاب النار ، والأعمال المشئومة.
[٤٢] فذكر الله لهم من العقاب ، ما هم حقيقون به ، فأخبر أنهم (فِي سَمُومٍ) ، أي : ريح حارة من حر نار جهنم ، تأخذ بأنفاسهم ، وتقلقهم أشد القلق. (وَحَمِيمٍ) ، أي : ماء حار يقطع أمعاءهم.
[٤٣] (وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ) (٤٣) ، أي : لهب نار ، يختلط بدخان.
[٤٤] (لا بارِدٍ وَلا كَرِيمٍ) (٤٤) ، أي : لا برد فيه ولا كرم. والمقصود : أن هناك الهم والغم ، والحزن والشر الذي لا خير فيه ، لأن نفي الضد إثبات لضده.
[٤٥] ثمّ ذكر أعمالهم الّتي أوصلتهم إلى هذا الجزاء ، فقال : (إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُتْرَفِينَ) (٤٥) ، أي : قد ألهتهم دنياهم ، وعملوا لها ، وتنعموا ، وتمتعوا بها ، فألهاهم الأمل عن إحسان العمل ، فهذا هو الترف الذي ذمهم الله عليه.
[٤٦] (وَكانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ) (٤٦) ، أي : وكانوا يفعلون الذنوب الكبار ، ولا يتوبون منها ، ولا يندمون عليها ، بل يصرون على ما يسخط مولاهم ، فقدموا عليه بأوزار كثيرة ، غير مغفورة.
[٤٧ ـ ٤٨] وكانوا ينكرون البعث ، فيقولون استبعادا لوقوعه : (أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ أَوَآباؤُنَا الْأَوَّلُونَ) (٤٨) ، أي : كيف نبعث بعد موتنا وقد بلينا ، فكنا ترابا وعظاما؟ هذا من المحال.
[٤٩] قال تعالى في جوابهم : (قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ) ، إلى : (يَوْمٍ مَعْلُومٍ). أي : قل إن متقدم الخلق ومتأخرهم ، الجميع سيبعثهم الله ويجمعهم لميقات يوم معلوم ، قدّره الله لعباده ، حين تنقضي الخليقة ، ويريد الله جزاءهم على