أعمالهم الّتي عملوها في دار التكليف.
[٥١] (ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ) عن طريق الهدى ، التابعون لطريق الردى. (الْمُكَذِّبُونَ) بالرسول صلىاللهعليهوسلم وما جاء به من الحقّ والوعد والوعيد ، (لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ) (٥٢) وهو أقبح الأشجار ، وأخسها ، وأنتنها ريحا ، وأبشعها منظرا ، (فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ) (٥٣). والذي أوجب لهم أكلها ـ مع ما هي عليه من الشناعة ـ الجوع المفرط ، الذي يلتهب في أكبادهم وتكاد تتقطع منه أفئدتهم. هذا الطعام ، هو الذي يدفعون به الجوع ، وهو لا يسمن ولا يغني من جوع.
[٥٥] وأما شرابهم ، فهو بئس الشراب ، وهو أنهم يشربون على هذا الطعام من الماء الحميم الذي يغلي في البطون (شُرْبَ الْهِيمِ) ، وهي الإبل العطاش ، الّتي قد اشتد عطشها ، أو أن الهيم : داء يصيب الإبل ، لا تروى معه من شراب الماء.
[٥٦] (هذا) الطعام والشراب (نُزُلُهُمْ) ، أي : ضيافتهم (يَوْمَ الدِّينِ) وهي الضيافة الّتي قدموها لأنفسهم ، وآثروها على ضيافة الله لأوليائه. قال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً (١٠٧) خالِدِينَ فِيها لا يَبْغُونَ عَنْها حِوَلاً) (١٠٨).
[٥٧] ثمّ ذكر الدليل العقلي على البعث ، فقال : (نَحْنُ خَلَقْناكُمْ فَلَوْ لا تُصَدِّقُونَ) (٥٧) ، أي : نحن الّذين أوجدناكم ، بعد أن لم تكونوا شيئا مذكورا ، من غير عجز ولا تعب ، أفليس القادر على ذلك ، بقادر على أن يحيي الموتى؟ بلى إنه على كلّ شيء قدير ، ولهذا وبّخهم على عدم تصديقهم بالبعث ، وهم يشاهدون ما هو أعظم منه وأبلغ.
[٥٨] أي : أفرأيتم ابتداء خلقكم من المني الذي تمنون ، فهل أنتم خالقون ذلك المني وما ينشأ منه؟ أم الله تعالى الخالق الذي خلق فيكم الشهوة في الذكر والأنثى ، وهدى كلا منهما لما هنالك ، وحبب بين الزوجين ، وجعل بينهما من المودة والرحمة ما هو سبب التناسل.
[٦٢] ولهذا أحالهم الله تعالى بالاستدلال بالنشأة الأولى ، على النشأة الأخرى ، فقال : (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولى فَلَوْ لا تَذَكَّرُونَ) (٦٢) أن القادر على ابتداء خلقكم ، قادر على إعادتكم. وهذا امتنان منه على عباده ، يدعوهم به ، إلى توحيده وعبادته ، والإنابة إليه ، حيث أنعم عليهم بما يسره لهم من الحرث للزروع والثمار ، فتخرج من ذلك ، من الأقوات والأرزاق ، والفواكه ، ما هو من ضروراتهم ، وحاجاتهم ومصالحهم الّتي لا يقدرون أن يحصوها ، فضلا عن شكرها ، وأداء حقها ، فقررهم بمنته ، فقال :
[٦٤] (أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ) (٦٤) ، أي : أنتم أخرجتموه نباتا من الأرض؟ أم أنتم الّذين نميتموه؟ أم أنتم الّذين أخرجتم سنبله وثمره ، حتى صار حبا حصيدا وثمرا نضيجا؟ أم الله الذي انفرد بذلك وحده ، وأنعم به عليكم؟ وأنتم غاية ما تفعلون أن تحرثوا الأرض وتشقوها ، وتلقوا فيها البذر. ثمّ لا علم عندكم بما يكون بعد ذلك ، ولا قدرة لكم على أكثر من ذلك ، ومع ذلك ، فنبههم على أن ذلك الحرث معرض للأخطار ، لو لا حفظ الله وإبقاؤه بلغة لكم ، ومتاعا إلى حين.
[٦٥] (لَوْ نَشاءُ لَجَعَلْناهُ) ، أي : الزرع المحروث ، وما فيه من الثمار (حُطاماً) ، أي : فتاتا متحطما ، لا نفع فيه ولا رزق. (فَظَلْتُمْ) ، أي : فصرتم بسبب جعله حطاما ، بعد أن تعبتم فيه ، وأنفقتم النفقات الكثيرة. (تَفَكَّهُونَ) ، أي : تندمون وتتحسرون على ما أصابكم ، ويزول بذلك فرحكم