فمجازيكم عليها ، وحافظها عليكم.
[٥] (لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ملكا ، وخلقا ، وعبيدا ، يتصرف فيهم بما شاءه من أوامره القدرية والشرعية ، الجارية على الحكمة الربانية. (وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ) من الأعمال والعمال ، فيعرض عليه العباد ، فيميز الخبيث من الطيب ، ويجازي المحسن بإحسانه ، والمسيء بإساءته.
[٦] (يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ) ، أي : يدخل الليل على النهار ، فيغشيهم الليل بظلامه ، فيسكنون ويهدأون. ثمّ يدخل النهار على الليل ، فيزول ما على الأرض من الظلام ، ويضيء الكون ، فيتحرك العباد ويقومون إلى مصالحهم ومعايشهم. ولا يزال الله يكور الليل على النهار ، والنهار على الليل ، ويداول بينهما ، في الزيادة والنقص ، والطول والقصر ، حتى تقوم بذلك الفصول ، وتستقيم الأزمنة ، ويحصل من المصالح بذلك ما يحصل. فتبارك الله رب العالمين ، وتعالى الكريم الجواد ، الذي أنعم على عباده بالنعم الظاهرة والباطنة. (وَهُوَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) ، أي : بما يكون في صدور العالمين. فيوفق من يعلم أنه أهل لذلك ، ويخذل من يعلم أنه لا يصلح لهدايته.
[٧] يأمر تعالى عباده بالإيمان به وبرسوله ، وبما جاء به ، وبالنفقة في سبيله ، من الأموال الّتي جعلها الله في أيديهم ، واستخلفهم عليها ، لينظر كيف يعملون. ثمّ لما أمرهم بذلك ، رغّبهم وحثّهم عليه بذكر ما رتب عليه من الثواب ، فقال : (فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ) ، أي : الّذين جمعوا بين الإيمان بالله ورسوله ، والنفقة في سبيله ، لهم أجر كبير ، وأعظمه وأجلّه رضا ربهم ، والفوز بدار كرامته ، وما فيها من النعيم المقيم ، الذي أعده الله للمؤمنين والمجاهدين.
[٨] ثمّ ذكر السبب الداعي لهم إلى الإيمان ، وعدم المانع منه ، فقال : (وَما لَكُمْ لا تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (٨) ، أي : وما الذي يمنعكم من الإيمان ، والحال أن الرسول محمدا صلىاللهعليهوسلم أفضل الرسل وأكرم داع دعا إلى الله يدعوكم. فهذا مما يوجب المبادرة إلى إجابة دعوته ، والتلبية والإجابة للحق الذي جاء به ، وقد أخذ عليكم العهد والميثاق بالإيمان ، إن كنتم مؤمنين.
[٩] ومع ذلك ، من لطفه وعنايته بكم ، أنه لم يكتف بمجرد دعوة الرسول الذي هو أشرف العالم ، بل أيده بالمعجزات ، ودلّكم على صدق ما جاء به بالآيات البينات. فلهذا قال : (هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلى عَبْدِهِ آياتٍ بَيِّناتٍ) ، أي : ظاهرات تدل أهل العقول على صحة جميع ما جاء به ، وأنه هو الحقّ اليقين. (لِيُخْرِجَكُمْ) بإرسال الرسول إليكم ، وما أنزله الله على يده من الكتاب والحكمة. (مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ) ، أي : من ظلمات الجهل والكفر ، إلى نور العلم والإيمان. وهذا من رحمته بكم ورأفته ، حيث كان أرحم بعباده من الوالدة بولدها (وَإِنَّ اللهَ بِكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ).
[١٠] (وَما لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ، أي : وما الذي يمنعكم من النفقة في سبيل الله ، وهي طرق الخير كلها ، ويوجب لكم أن تبخلوا. (وَ) الحال أنه ليس لكم شيء ، بل (لِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ، فجميع الأموال ، ستنقل من أيديكم ، أو تنقلون عنها ، ثمّ يعود الملك إلى مالكه ، تبارك وتعالى. فاغتنموا الإنفاق ، ما دامت الأموال في أيديكم ، وانتهزوا الفرصة. ثمّ ذكر تعالى ، تفاضل الأعمال بحسب الأحوال والحكمة الإلهية ،