الدارين ، وغبنوا غبنا ، لا يمكن تداركه ، ولا يجبر كسره ، لأنهم هم الفاسقون ، الّذين خرجوا عن طاعة ربهم ، وأوضعوا في معاصيه. فهل يستوي من حافظ على تقوى الله ، ونظر لما قدم لغده ، فاستحق جنات النعيم ، والعيش السليم ـ مع الّذين أنعم الله عليهم ، من النبيين ، والصديقين ، والشهداء ، والصالحين ـ ومن غفل عن ذكره ، ونسي حقوقه فشقي في الدنيا ، واستحق العذاب في الآخرة. فالأولون هم الفائزون ، والآخرون هم الخاسرون. ولما بين تعالى لعباده ما بين ، وأمر عباده ونهاهم في كتابه العزيز ، كان هذا موجبا لأن يبادروا إلى ما دعاهم إليه ، وحثهم عليه ، ولو كانوا في القسوة وصلابة القلوب كالجبال الرواسي. فإن هذا القرآن لو أنزل على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله ، أي : لكمال تأثيره في القلوب ، فإن مواعظ القرآن ، أعظم المواعظ على الإطلاق. وأوامره ونواهيه ، محتوية على الحكم والمصالح المقرونة بها ، وهي من أسهل شيء على النفوس ، وأيسرها على الأبدان ، خالية من التكلف لا تناقض فيها ، ولا اختلاف ، ولا صعوبة فيها ، ولا اعتساف ، تصلح لكل زمان ومكان ، وتليق لكل أحد. ثمّ أخبر تعالى أنه يضرب للناس الأمثال ، ويوضح لعباده الحلال والحرام ، لأجل أن يتفكروا في آياته ويتدبروها ، فإن التفكير فيها يفتح للعبد خزائن العلم ، ويبين له طرق الخير والشر ، ويحثه على مكارم الأخلاق ، ومحاسن الشيم ، ويزجره عن مساوئ الأخلاق ، فلا أنفع للعبد من التفكير في القرآن ، والتدبر لمعانيه.
[٢٢] هذه الآيات الكريمات ، قد اشتملت على كثير من أسماء الله الحسنى ، وأوصافه العلى ، عظيمة الشأن ، وبديعة البرهان. فأخبر أنه (اللهُ) المألوه المعبود ، (الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) ، وذلك لكماله العظيم ، وإحسانه الشامل ، وتدبيره العام. وكلّ إله غيره ، فإنه باطل ، لا يستحق من العبادة مثقال ذرة ، لأنه فقير عاجز ناقص ، لا يملك لنفسه ولا لغيره شيئا. ثمّ وصف نفسه بعموم العلم الشامل ، لما غاب عن الخلق ، وما يشاهدونه ، وبعموم رحمته الّتي وسعت كلّ شيء ، ووصلت إلى كلّ حي. ثمّ كرر ذكر عموم إلهيته وانفراده بها ، وأنه المالك لجميع الممالك ، فالعالم العلوي والسفلي وأهله ، الجميع مماليك لله ، فقراء مدبرون. (الْقُدُّوسُ السَّلامُ) ، أي : المقدس السالم من كلّ عيب ونقص ، المعظم المجد ؛ لأن القدوس ، يدل على التنزيه من كلّ نقص ، والتعظيم لله في أوصافه وجلاله. (الْمُؤْمِنُ) ، أي : المصدق لرسله وأنبيائه ، بما جاءوا به ، بالآيات البينات ، والبراهين القاطعات ، والحجج الواضحات. (الْعَزِيزُ) الذي لا يغالب ولا يمانع ، بل قد قهر كلّ شيء ، وخضع له كلّ شيء. (الْجَبَّارُ) الّذي قهر جميع العباد ، وأذعن له سائر الخلق ، الذي يجبر الكسير ، ويغني الفقير. (الْمُتَكَبِّرُ) الذي له الكبرياء والعظمة ، المتنزه عن جميع العيوب والظلم والجور. (سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ) ، وهذا تنزيه عام ، عن كل ما وصفه به ، من أشرك به وعانده.
[٢٤] (هُوَ اللهُ الْخالِقُ) لجميع المخلوقات (الْبارِئُ) للمبروءات (الْمُصَوِّرُ) للمصورات ، وهذه الأسماء متعلقة بالخلق والتدبير والتقدير ، وأن ذلك كله ، قد انفرد الله به ، لم يشاركه فيه مشارك. (لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى) ، أي : له الأسماء الكثيرة جدا ، الّتي لا يحصيها ، ولا يعلمها أحد إلّا