ألوهيته سبحانه ، وسعة غناه ، وافتقار جميع الخلائق إليه ، وتسبيح من في السماوات والأرض بحمد ربها ، وأن الملك كله لله ، فلا يخرج عن ملكه مخلوق. والحمد كله له ، حمد على ما له من صفات الكمال ، وحمد على ما أوجده من الأشياء ، وحمد على ما شرعه من الأحكام ، وأسداه من النعم. وقدرته شاملة ، لا يخرج عنها موجود ، فلا يعجزه شيء يريده.
[٢] وذكر أنه خلق العباد ، وجعل منهم المؤمن والكافر ، فإيمانهم وكفرهم كله ، بقضاء الله وقدره ، وهو الذي شاء ذلك منهم ، بأن جعل لهم قدرة وإرادة ، بها يتمكنون من كلّ ما يريدون ، من الأمر والنهي ، (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ).
[٣] فلما ذكر خلق الإنسان المأمور المنهي ، ذكر خلق باقي المخلوقات ، فقال : (خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) ، أي : أجرامهما ، وجميع ما فيهما ، فأحسن خلقهما. (بِالْحَقِ) ، أي : بالحكمة ، والغاية المقصودة له تعالى. (وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ) كما قال تعالى : (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) (٤). فالإنسان ، أحسن المخلوقات صورة ، وأبهاها منظرا. (وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ) ، أي : المرجع يوم القيامة ، فيجازيكم على إيمانكم وكفركم ، ويسألكم عن النعم والنعيم الذي أولاكم ، هل قمتم بشكره أم لم تقوموا به؟ ثمّ ذكر عموم علمه ، فقال :
[٤] (يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ، أي : في السرائر والظواهر ، والغيب والشهادة. (وَيَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ وَما تُعْلِنُونَ وَاللهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) ، أي : بما فيها من الأسرار الطيبة ، والخبايا الخبيثة ، والنيات الصالحة ، والمقاصد الفاسدة. فإذا كان عليما بذات الصدور ، تعين على العاقل البصير ، أن يحرص ويجتهد في حفظ باطنه ، من الأخلاق الرذيلة ، واتصافه بالأخلاق الجميلة.
[٥] لما ذكر تعالى من أوصافه الكاملة العظيمة ، ما به يعرف ويعبد ، ويبذل الجهد في مرضاته ، وتجتنب مساخطه ، أخبر بما فعل بالأمم السابقين ، والقرون الماضين ، الّذين لم تزل أنباؤهم ، يتحدث بها المتأخرون ، ويخبر بها الصادقون ، وأنهم حين جاءتهم رسلهم بالحق ، كذبوهم وعاندوهم. (فَذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ) في الدنيا ، وأخزاهم الله فيها (وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) في الدار الآخرة ، ولهذا ذكر السبب في هذه العقوبة ، فقال :
[٦] (ذلِكَ) النكال والوبال ، الذي أحللناه بهم (بِأَنَّهُ كانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ) ، أي : بالآيات الواضحات ، الدالة على الحقّ والباطل ، فاشمأزوا ، واستكبروا على رسلهم ، فقالوا : (أَبَشَرٌ يَهْدُونَنا) ، أي : ليس لهم فضل علينا ، ولأي شيء خصهم الله دوننا. كما قال في الآية الأخرى : (قالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلكِنَّ اللهَ يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) فهم حجروا فضل الله ومنته على أنبيائه أن يكونوا رسلا للخلق ، واستكبروا عن الانقياد لهم. فابتلوا بعبادة الأشجار ، والأحجار ونحوها (فَكَفَرُوا) بالله (وَتَوَلَّوْا) عن طاعته. (وَاسْتَغْنَى اللهُ) عنهم ، فلا يبالي بهم ، ولا يضره ضلالهم شيئا. (وَاللهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ) ، أي : هو الغني ، الذي له الغني التام المطلق ، من جميع الوجوه. الحميد ، في أقواله وأفعاله وأوصافه.