[٧] يخبر تعالى عن عناد الكافرين ، وزعمهم الباطل ، وتكذيبهم بالبعث بغير علم ، ولا هدى ولا كتاب منير. فأمر أشرف خلقه ، أن يقسم بربه على بعثهم ، وجزائهم بأعمالهم الخبيثة ، وتكذيبهم بالحق. (وَذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ) فإنه ، وإن كان عسيرا بل متعذرا ، بالنسبة إلى الخلق ، فإن قواهم كلهم ، لو اجتمعت على إحياء ميت واحد ، ما قدروا على ذلك. وأما الله تعالى ، فإنه إذا أراد شيئا ، قال له كن فيكون. قال تعالى : (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ) (٦٨).
[٨] لما ذكر تعالى إنكار من أنكر البعث ، وأن ذلك منهم موجب كفرهم بالله وآياته ، أمر بما يعصم من الهلكة والشقاء ، وهو الإيمان به ، وبرسوله ، وبكتابه. وسماه الله نورا ، لأن النور ضد الظلمة ، فما في الكتاب الذي أنزله الله من الأحكام والشرائع والأخبار ، أنوار يهتدى بها في ظلمات الجهل المدلهمة ، ويمشى بها في حندس الليل البهيم. وما سوى الاهتداء بكتاب الله ، فهي علوم ، ضررها أكثر من نفعها ، وشرها أكثر من خيرها. بل لا خير فيها ولا نفع ، إلّا ما وافق ما جاءت به الرسل. والإيمان بالله ورسوله وكتابه ، يقتضي الجزم التام ، واليقين الصادق بها ، والعمل بمقتضى ذلك التصديق ، من امتثال الأوامر ، واجتناب النواهي. (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) فيجازيكم بأعمالكم ، الصالحة والسيئة.
[٩] يعني : اذكروا يوم الجمع الذي يجمع الله به الأولين والآخرين ، ويقفهم موقفا هائلا عظيما ، وينبئهم بما عملوا. فحينئذ يظهر الفرق والتغابن بين الخلائق ، ويرفع أقوام إلى أعلى عليين ، في الغرف العاليات ، والمنازل المرتفعات ، المشتملة على جميع اللذات والشهوات. ويخفض أقوام إلى أسفل سافلين ، محل الهم والغم ، والحزن والعذاب الشديد ، وذلك نتيجة ما قدموه لأنفسهم ، وأسلفوه أيام حياتهم ، ولهذا قال : (ذلِكَ يَوْمُ التَّغابُنِ). أي : يظهر فيه التغابن ، والتفاوت بين الخلائق ، ويغبن المؤمنون الفاسقين ، ويعرف المجرمون ، أنهم على غير شيء ، وأنهم هم الخاسرون ، فكأنه قيل : بأي شيء يحصل الفلاح والشقاء والنعيم والعذاب؟ فذكر أسباب ذلك بقوله : (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ) إيمانا تاما ، شاملا لجميع ما أمر الله بالإيمان به. (وَيَعْمَلْ صالِحاً) من الفرائض والنوافل ، من أداء حقوق الله وحقوق عباده. (يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) ، فيها ما تشتهيه الأنفس ، وتلذ الأعين ، وتختاره الأرواح ، وتحن إليه القلوب ، ويكون نهاية كلّ مرغوب. (خالِدِينَ فِيها أَبَداً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ).
[١٠] (وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا) ، أي : كفروا بها ، من غير مستند شرعي ولا عقلي. بل جاءتهم الأدلة والبينات ، فكذبوا بها وعاندوا ، ما دلت عليه. (أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ خالِدِينَ فِيها وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) لأنها جمعت كلّ بؤس وشدة ، وشقاء وعذاب.
[١١] يقول تعالى : (ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) هذا عام لجميع المصائب ، في النفس ، والمال ، والولد ، والأحباب ، ونحوهم. فجميع ما أصاب العباد ، بقضاء الله وقدره ، قد سبق بذلك ، علم الله ، وجرى به قلمه ، ونفذت مشيئته ، واقتضته حكمته ، ولكن الشأن كلّ الشأن ، هل يقوم العبد بالوظيفة ، الّتي عليه في هذا المقام ، أم لا يقوم بها؟ فإن قام بها ، فله الثواب الجزيل ، والأجر الجميل ، في الدنيا والآخرة. فإذا آمن أنها من عند الله ، فرضي بذلك ، وسلّم لأمره ، هدى الله قلبه ، فاطمأن ولم ينزعج عند المصائب ، كما يجري ممن لم يهد الله قلبه ، بل يرزقه الثبات عند ورودها والقيام بموجب الصبر فيحصل له بذلك ثواب عاجل ، مع ما يدخر له يوم الجزاء من الأجر العظيم ، كما قال تعالى : (إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ). وعلم من ذلك ، أن من لم يؤمن بالله عند ورود المصائب ، بأن لم يلحظ قضاء الله وقدره ، بل وقف مع مجرد الأسباب ، أنه يخذل ، ويكله الله إلى نفسه. وإذا وكلّ العبد إلى نفسه ، فالنفس ليس عندها إلّا الهلع والجزع ، الذي هو عقوبة عاجلة على العبد ، قبل عقوبة الآخرة ، على ما فرط في واجب الصبر. هذا ما يتعلق بقوله : (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ يَهْدِ قَلْبَهُ) ، في مقام المصائب الخاص. وأما ما يتعلق بها من حيث العموم اللفظي ، فإن الله أخبر أن كلّ من آمن ، أي : الإيمان المأمور به ،