الله (عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ) أي : غليظ شرس الخلق قاس ، غير منقاد (زَنِيمٍ) أي : دعيّ ، ليس له أصل ولا مادة ينتج منها الخير ، بل أخلاقه أقبح الأخلاق ، ولا يرجى منه فلاح ، له زنمة ، أي : علامة في الشر يعرف بها. وحاصل هذا ، أن الله تعالى نهى عن طاعة كلّ حلاف كذاب ، خسيس النفس ، سيىء الأخلاق ، خصوصا الأخلاق المتضمنة للإعجاب بالنفس ، والتكبر على الحقّ وعلى الخلق ، والاحتقار للناس ، بالغيبة والنميمة ، والطعن فيهم ، وكثرة المعاصي.
[١٤ ـ ١٥] وهذه الآيات ـ وإن كانت نزلت في بعض المشركين ـ كالوليد بن المغيرة أو غيره ، لقوله عنه : (أَنْ كانَ ذا مالٍ وَبَنِينَ (١٤) إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) (١٥) أي : لأجل كثرة ماله وولده ، طغى واستكبر عن الحقّ ، ودفعه حين جاءه ، وجعله من جملة أساطير الأولين ، الّتي يمكن صدقها وكذبها. فإنها عامة في كلّ من اتصف بهذا الوصف ، لأن القرآن نزل لهداية الخلق كلهم ، ويدخل فيه أول الأمة وآخرهم. وربما نزل بعض الآيات في سبب شخص من الأشخاص ، لتتضح به القاعدة العامة ، ويعرف به أمثال الجزئيات الداخلة في القضايا العامة.
[١٦] ثمّ توعد تعالى من جرى منه ما وصف الله ، بأن الله سيسمه على الخرطوم في العذاب ، ويعذبه عذابا ظاهرا ، يكون عليه سمة وعلامة ، في أشق الأشياء عليه ، وهو وجهه.
[١٧] يقول تعالى : إنا بلونا هؤلاء المكذبين بالخير ، وأمهلناهم ، وأمددناهم بما شئنا من مال وولد وطول عمر ، ونحو ذلك ، مما يوافق أهواءهم ، لا لكرامتهم علينا ، بل ربما يكون استدراجا لهم ، من حيث لا يعلمون. فاغترارهم بذلك ، نظير اغترار أصحاب الجنة ، الذي هم فيها شركاء ، حين أينعت أشجارها ، وزهت ثمارها ، وآن وقت صرامها ، وجزموا أنها في أيديهم ، وطوع أمرهم ، وأنه ليس ثمّ مانع يمنعهم منها.
[١٨] ولهذا أقسموا وحلفوا من غير استثناء ، أنهم سيصرمونها ، أي : يجذونها مصبحين. ولم يدروا أن الله بالمرصاد ، وأن العذاب سيخلفهم عليها ، ويبادرهم إليها.
[١٩ ـ ٢١] (فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ مِنْ رَبِّكَ) ، أي : عذاب نزل عليها ليلا (وَهُمْ نائِمُونَ) ، فأبادها ، وأتلفها (فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ) (٢٠) ، أي : كالليل المظلم ، وذهبت الأشجار والثمار ، هذا وهم لا يشعرون بهذا الواقع الملم ، ولهذا تنادوا فيها بينهم لما أصبحوا ، يقول بعضهم لبعض :
[٢٢ ـ ٢٤] (أَنِ اغْدُوا عَلى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صارِمِينَ (٢٢) فَانْطَلَقُوا) قاصدين لها (وَهُمْ يَتَخافَتُونَ) فيما بينهم بمنع حق الله تعالى ، ويقولون : (لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ) ، أي : بكروا قبل انتشار الناس ، وتواصوا مع ذلك ، بمنع الفقراء والمساكين. ومن شدة حرصهم وبخلهم ، أنهم يتخافتون بهذا الكلام مخافتة ، خوفا أن يسمعهم أحد ، فيخبر الفقراء.
[٢٥] (وَغَدَوْا) في هذه الحالة الشنيعة ، والقسوة ، وعدم الرحمة (عَلى حَرْدٍ قادِرِينَ) ، أي : على إمساك ومنع لحق الله ، جازمين بقدرتهم عليها.
[٢٦] (فَلَمَّا رَأَوْها) على الوصف الذي ذكر الله كالصريم ، (قالُوا) من الحيرة والانزعاج : (إِنَّا لَضَالُّونَ) ، أي : تائهون عنها ، لعلها غيرها.
[٢٧] فلما تحققوها ، ورجعت إليهم عقولهم ، قالوا : (بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ) (٢٧) منها ، فعرفوا حينئذ أنه عقوبة.
[٢٨] (قالَ أَوْسَطُهُمْ) ، أي : أعدلهم ، وأحسنهم طريقة : (أَلَمْ