أَقُلْ لَكُمْ لَوْ لا تُسَبِّحُونَ) ، أي : تنزهون الله عما لا يليق به ، ومن ذلك ، ظنكم أن قدرتكم مستقلة ، فلو استثنيتم ، وقلتم : «إن شاء الله» وجعلتم مشيئتكم تابعة لمشيئته ، ما جرى عليكم ما جرى.
[٢٩] (قالُوا سُبْحانَ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ) (٢٩) ، أي : استدركوا بعد ذلك ، ولكن بعد ما وقع على جنتهم العذاب ، الذي لا يرفع. ولكن بعد ما وقع على جنتهم العذاب ، الذي لا يرفع. ولكن لعل تسبيحهم هذا ، وإقرارهم على أنفسهم بالظلم ، ينفعهم في تخفيف الإثم ويكون توبة ، ولهذا ندموا ندامة عظيمة.
[٣٠ ـ ٣١] (فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ) (٣٠) فيما أجروه وفعلوه ، (قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا طاغِينَ) (٣١) ، أي : متجاوزين للحد في حق الله ، وحق عباده.
[٣٢] (عَسى رَبُّنا أَنْ يُبْدِلَنا خَيْراً مِنْها إِنَّا إِلى رَبِّنا راغِبُونَ) (٣٢) فهم رجوا الله أن يبدلهم خيرا منها ، ووعدوا أنهم سيرغبون إلى الله ، ويلحون عليه في الدنيا. فإن كانوا كما قالوا ، فالظاهر أن الله أبدلهم في الدنيا خيرا منها لأن من دعا الله صادقا ، ورغب إليه ورجاه ، أعطاه سؤله.
[٣٣] قال تعالى معظما ما وقع : (كَذلِكَ الْعَذابُ) ، أي : الدنيوي لمن أتى بأسباب العذاب أن يسلبه الله الشيء الذي طغى به وبغى ، وآثر الحياة الدنيا ، وأن يزيله عنه ، أحوج ما يكون إليه. (وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ) من عذاب الدنيا (لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) ، فإن من علم ذلك ، أوجب له الانزجار عن كلّ سبب يوجب العقاب ، ويحرم الثواب.
[٣٤ ـ ٣٥] يخبر تعالى بما أعده للمتقين الكفر والمعاصي ، من أنواع النعيم والعيش السليم في جوار أكرم الأكرمين ، وأن حكمته تعالى ، لا تقتضي أن يجعل المتقين القانتين لربهم ، المنقادين لأوامره ، المتبعين مراضيه ، كالمجرمين الّذين أوضعوا في معاصيه ، والكفر بآياته ، ومعاندة رسله ، ومحاربه أوليائه.
[٣٦] وأن من ظن أنه يسويهم في الثواب ، فإنه قد أساء الحكم ، وأن حكمه باطل ، ورأيه فاسد.
[٣٧ ـ ٣٨] وأن المجرمين إذا ادعوا ذلك ، فليس لهم مستند ، لا كتاب فيه يدرسون ويتلون ، أنهم من أهل الجنة ، وأن لهم ما طلبوا وتخيروا.
[٣٩] وليس لهم عند الله عهد ويمين بالغة إلى يوم القيامة أن لهم ما يحكمون وليس لهم شركاء وأعوان على إدراك ما طلبوا ، فإن كان لهم شركاء وأعوان ، فليأتوا بهم ، إن كانوا صادقين. ومن المعلوم أن جميع ذلك منتف ، فليس لهم كتاب ، ولا لهم عهد عند الله في النجاة ، ولا لهم شركاء يعينونهم ، فعلم أن دعواهم باطلة فاسدة.
[٤٠] وقوله : (سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذلِكَ زَعِيمٌ) (٤٠) ، أي : أيهم الكفيل بهذه الدعوى الّتي تبين بطلانها ، فإنه لا يمكن أحدا ، أن يتصدر بها ، ولا يكون زعيما فيها.
[٤٢] أي : إذا كان يوم القيامة ، وانكشف فيه من القلاقل والزلازل والأهوال ، ما لا يدخل تحت الوهم ، وأتى الباري لفصل القضاء بين عباده ، ومجازاتهم ، فكشف عن ساقه الكريمة ، الّتي لا يشبهها شيء ، ورأى الخلائق من جلال الله وعظمته ، ما لا يمكن التعبير عنه ، فحينئذ يدعون إلى السجود لله. فيسجد المؤمنون الّذين كانوا يسجدون لله ، طوعا واختيارا ، ويذهب الفجار المنافقون ليسجدوا فلا يقدرون على السجود ، وتكون ظهورهم كصياصي البقر ، لا يستطيعون الانحناء.
[٤٣] وهذا الجزاء من جنس عملهم ، فإنهم كانوا يدعون في الدنيا إلى السجود لله ،