وعصيانه ، بقول لين ، وخطاب لطيف لعله (يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى).
[١٨] (فَقُلْ) له : (هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى) ، أي : هل لك في خصلة حميدة ، ومحمدة جميلة ، يتنافس فيها أولو الألباب ، وهي أن تزكّي نفسك ، وتطهرها من دنس الكفر والطغيان ، إلى الإيمان والعمل الصالح؟
[١٩] (وَأَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ) ، أي : أدلك عليه ، وأبيّن لك مواقع رضاه ، من مواقع سخطه. (فَتَخْشى) الله ، إذا علمت الصراط المستقيم ، فامتنع فرعون مما دعاه إليه موسى.
[٢٠] (فَأَراهُ الْآيَةَ الْكُبْرى) (٢٠) ، أي : جنس الآية الكبرى ، فلا ينافي تعددها (فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ (١٠٧) وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ لِلنَّاظِرِينَ) (١٠٨).
[٢١ ـ ٢٣] (فَكَذَّبَ) بالحق (وَعَصى) الأمر ، (ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعى) (٢٢) ، أي : يجتهد في مبارزة الحقّ. (فَحَشَرَ) جنوده أي : جمعهم (فَنادى فَقالَ) لهم : (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى) فأذعنوا له ، وأقروا بباطله ، حين استخفهم.
[٢٥] (فَأَخَذَهُ اللهُ نَكالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولى) (٢٥) أي : جعل الله عقوبته ، دليلا وزاجرا ، ومبينة لعقوبة الدنيا والآخرة.
[٢٦] (إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشى) (٢٦) ، فإن من يخشى الله ، هو الذي ينتفع بالآيات والعبر. فإذا رأى عقوبة فرعون ، عرف أن من تكبر وعصى ، وبارز الملك الأعلى ، يعاقبه في الدنيا والآخرة ، وأما من ترحلت خشية الله من قلبه ، فلو جاءته كل آية لا يؤمن بها.
[٢٧] يقول تعالى ـ مبينا دليلا واضحا لمنكري البعث ، ومستبعدي إعادة الله للأجساد ـ : (أَأَنْتُمْ) أيها البشر (أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ) ذات الجرم العظيم ، والخلق القوي ، والارتفاع الباهر (بَناها) الله.
[٢٨] (رَفَعَ سَمْكَها) ، أي :
جرمها وصورتها (فَسَوَّاها) بإحكام وإتقان ، يحير العقول ، ويذهل الألباب.
[٢٩] (وَأَغْطَشَ لَيْلَها) ، أي : أظلمه ، فعمت الظلمة ، جميع أرجاء السماء ، فأظلم وجه الأرض. (وَأَخْرَجَ ضُحاها) ، أي : أظهر فيه النور العظيم ، حين أتى بالشمس ، فانتشر الناس في مصالح دينهم ودنياهم.
[٣٠] (وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ) أي : بعد خلق السماء (دَحاها) ، أي : أودع فيها منافعها.
[٣١ ـ ٣٢] وفسر ذلك بقوله : (أَخْرَجَ مِنْها ماءَها وَمَرْعاها (٣١) وَالْجِبالَ أَرْساها) (٣٢) ، أي : ثبتها بالأرض. فدحى الأرض بعد خلق السماوات ، كما هو نص هذه الآيات الكريمة. وأما خلق نفس الأرض ، فمتقدم على خلق السماء كما قال تعالى : (قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْداداً ذلِكَ رَبُّ الْعالَمِينَ) (٩) إلى أن قال : (فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ). فالذي خلق السماوات العظام وما فيها من الأنوار والأجرام ، والأرض الغبراء الكثيفة ، وما فيها من ضروريات الخلق ومنافعهم ، لا بد أن يبعث الخلق المكلفين ، فيجازيهم بأعمالهم ، فمن أحسن فله الحسنى ، ومن أساء فلا يلومن إلا نفسه.
[٣٤] ولهذا ذكر بعد هذا قيام الساعة ، ثم الجزاء ، فقال : (فَإِذا جاءَتِ الطَّامَّةُ) ، إلى : (هِيَ الْمَأْوى). أي : إذا جاءت القيامة الكبرى ، والشدة العظمى ، الّتي يهون عندها كلّ شدة ، فحينئذ يذهل الوالد عن ولده ، والصاحب عن