وخشوعها ، وجميع ما لها ، من واجب ومستحب. وبالمحافظة على الصلوات ، تحصل المحافظة على سائر العبادات ، وتفيد النهي عن الفحشاء والمنكر ، وخصوصا إذا أكملها كما أمر بقوله : (وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ) ، أي : ذليلين مخلصين خاشعين ، فإن القنوت دوام الطاعة مع الخشوع.
[٢٣٩] وقوله : (فَإِنْ خِفْتُمْ) حذف المتعلق ، ليعم الخوف من العدو ، والسبع ، وفوات ما يتضرر العبد بفوته فصلوا ، (رجالا) ماشين على أرجلكم. (أَوْ رُكْباناً) على الخيل والإبل ، وسائر المركوبات ، وفي هذه الحال ، لا يلزمه الاستقبال ، فهذه صفة صلاة المعذور بالخوف ، فإذا حصل الأمن ، صلى صلاة كاملة. ويدخل في قوله : (فَإِذا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللهَ) تكميل الصلوات ، ويدخل فيه أيضا ، الإكثار من ذكر الله ، شكرا له على نعمة التعليم ، لما فيه سعادة العبد. وفي الآية الكريمة ، فضيلة العلم ، وأن على من علمه الله ما لم يكن يعلم الإكثار من ذكر الله. وفيه الإشعار أيضا بأن الإكثار من ذكره ، سبب لتعليم علوم أخرى ، لأن الشكر مقرون بالمزيد.
[٢٤٠] ثم قال تعالى : (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ) ، الآية. اشتهر عند كثير من المفسرين ، أن هذه الآية الكريمة ، نسختها الآية التي قبله وهي قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً) ، وأن الأمر كان على الزوجة ، أن تتربص حولا كاملا ، ثم نسخ بأربعة أشهر وعشر. ويجيبون عن تقدم الآية الناسخة ، أن ذلك تقدم في الوضع ، لا في النزول ، لأن شرط الناسخ أن يتأخر عن المنسوخ ، وهذا القول لا دليل عليه. ومن تأمل الآيتين ، اتضح له أن القول الآخر في الآية ، هو الصواب ، وأن الآية الأولى في وجوب التربص أربعة أشهر وعشرا ، على وجه التحتيم على المرأة ، وأما في هذه الآية فإنها وصية لأهل الميت ، أن يبقوا زوجة ميتهم عندهم ، حولا كاملا ، جبرا لخاطرها ، وبرا بميتهم ، ولهذا قال : (وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ) ، أي : وصية من الله لأهل الميت ، أن يستوصوا بزوجته ، ويمتعوها ولا يخرجوها. فإن رغبت أقامت في وصيتها ، وإن أحبت الخروج ، فلا حرج عليها ، ولهذا قال : (فَإِنْ خَرَجْنَ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِي ما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَ) ، أي : من التجمل واللباس. لكن الشرط ، أن يكون بالمعروف ، الذي لا يخرجها عن حدود الدين والاعتبار ، وختم الآية بهذين الاسمين العظيمين ، الدالين على كمال العزة ، وكمال الحكمة ، لأن هذه أحكام صدرت عن عزته ، ودلت على كمال حكمته ، حيث وضعها في مواضعها اللائقة بها.
[٢٤١] لما بين في الآية السابقة ، إمتاع المفارقة بالموت ، ذكر هنا أن كل مطلقة ، فلها على زوجها ، أن يمتعها ويعطيها ما يناسب حاله وحالها ، وأنه حق ، إنما يقوم به المتقون ، فهو من خصال التقوى الواجبة والمستحبة. فإن كانت المرأة لم يسم لها صداق ، وطلقها قبل الدخول ، فتقدم أنه يجب عليه بحسب يساره وإعساره. وإن كان مسمى لها ، فمتاعها نصف المسمى. وإن كانت مدخولا بها ، صارت المتعة مستحبة ، في قول جمهور العلماء. ومن العلماء من أوجب ذلك ، استدلالا بقوله : (حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ) ، والأصل في «الحق» أنه واجب ، خصوصا وقد أضافه إلى المتقين ، وأصل التقوى واجبة. فلما بين تعالى هذه الأحكام الجليلة بين الزوجين ، أثنى على أحكامه وعلى بيانه لها وتوضيحه ، وموافقتها للعقول السليمة ، وأن القصد من بيانه لعباده ، أن يعقلوا عنه ما بينه ، فيعقلونها حفظا ، وفهما ، وعملا بها ، فإن ذلك من تمام عقلها.
[٢٤٣] أي : ألم تسمع بهذه القصة العجيبة الجارية على من قبلكم من بني إسرائيل ، حيث حل الوباء بديارهم ، فخرجوا بهذه الكثرة ، فرارا من الموت ، فلم ينجهم الفرار ، ولا أغنى عنهم من وقوع ما كانوا يحذرون ، فعاملهم بنقيض مقصودهم ، وأماتهم الله عن آخرهم ، ثم تفضل عليهم ، فأحياهم ، إما بدعوة نبي ، كما قاله كثير من المفسرين ، وإما بغير ذلك. ولكن ذلك ، بفضله وإحسانه ، وهو لا زال فضله على الناس ، وذلك موجب لشكرهم لنعم الله بالاعتراف بها وصرفها في مرضاة الله ، ومع ذلك فأكثر الناس قد قصروا بواجب الشكر. وفي هذه القصة ،