أَمانَتَهُ) ، ولكن في هذه الحال يحتاج إلى التقوى والخوف من الله ، وإلا فصاحب الحق مخاطر في حقه ، ولهذا أمر الله في هذه الحال ، من عليه الحق ، أن يتّقي الله ويؤدي أمانته. ومنها : أن من ائتمنه معامله ، فقد عمل معه معروفا عظيما ، ورضي بدينه وأمانته ، فيتأكد على من عليه الحق ، أداء الأمانة من الجهتين : أداء لحق الله ، وامتثالا لأمره ، ووفاء بحق صاحبه ، الذي رضي بأمانته ، ووثق به. ومنها : تحريم كتم الشهادة ، وأن كاتمها قد أثم قلبه ، الذي هو ملك الأعضاء ، وذلك لأن كتمها ، كالشهادة بالباطل والزور ، فيها ضياع الحقوق ، وفساد المعاملات ، والإثم المتكرر في حقه ، وحق من عليه الحق. وأما تقييد الرهن بالسفر ـ مع أنه يجوز حضرا وسفرا ـ فللحاجة إليه لعدم الكاتب والشهيد. وختم الآية بأنه (عَلِيمٌ) بكل ما يعمله العباد ، كالترغيب لهم في المعاملات الحسنة ، والترهيب من المعاملات السيئة.
[٢٨٤] يخبر تعالى ، بعموم ملكه لأهل السماء والأرض ، وإحاطة علمه بما أبداه العباد ، وما أخفوه في أنفسهم ، وأنه سيحاسبهم به ، فيغفر لمن يشاء ، وهو المنيب إلى ربه ، الأواب إليه إنه (كانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُوراً).
ويعذب من يشاء ، وهو المصرّ على المعاصي ، في باطنه وظاهره. وهذه الآية لا تنافي الأحاديث الواردة في العفو ، عما حدث به العبد نفسه ، ما لم يعمل أو يتكلم ، فتلك الخطرات هي التي تتحدث بها النفوس ، التي لا يتصف بها العبد ولا يصمم عليها ، وأما هنا فهي العزائم المصممة ، والأوصاف الثابتة في النفوس ، أوصاف الخير ، وأوصاف الشر ، ولهذا قال : (ما فِي أَنْفُسِكُمْ) ، أي : استقر فيها وثبت ، من العزائم والأوصاف. وأخبر أنه (عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) ، فمن تمام قدرته ، محاسبة الخلائق ، وإيصال ما يستحقونه من الثواب والعقاب.
[٢٨٥] ثبت عنه صلىاللهعليهوسلم أن من قرأ هاتين الآيتين في ليلته كفتاه ، أي : من جميع الشرور ، وذلك لما احتوتا عليه من المعاني الجليلة ، فإن الله أمر في أول هذه السورة الناس بالإيمان ، بجميع أصوله في قوله : (قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا) ، الآية. وأخبر في هذه الآية ، أن الرسول صلىاللهعليهوسلم ومن معه من المؤمنين ، آمنوا بهذه الأصول العظيمة ، وبجميع الرسل ، وجميع الكتب ، ولم يصنعوا صنيع من آمن ببعض ، وكفر ببعض ، كحالة المنحرفين من أهل الأديان المنحرفة. وفي قرن المؤمنين بالرسول صلىاللهعليهوسلم ، والإخبار عنهم جميعا بخبر واحد ، شرف عظيم للمؤمنين. وفيه أنه صلىاللهعليهوسلم مشارك للأمة في الخطاب الشرعي له ، وقيامه التام به ، وأنه فاق المؤمنين ، بل فاق جميع المرسلين في القيام بالإيمان وحقوقه. وقوله : (وَقالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا) ، هذا التزام من المؤمنين ، عام لجميع ما جاء به النبي صلىاللهعليهوسلم من الكتاب والسنة ، وأنهم سمعوه سماع قبول وإذعان وانقياد ، ومضمون ذلك تضرعهم إلى الله في طلب الإعانة على القيام به ، وأن الله يغفر لهم ما قصروا فيه من الواجبات ، وما ارتكبوه من المحرمات ، وكذلك تضرعوا إلى الله في هذه الأدعية النافعة ، والله تعالى قد أجاب دعاءهم على لسان نبيه صلىاللهعليهوسلم فقال : «قد فعلت». فهذه الدعوات مقبولة من مجموع المؤمنين قطعا ، ومن أفرادهم ، إذا لم يمنع من ذلك مانع في الأفراد ، وذلك أن الله رفع عنهم المؤاخذة في الخطأ والنسيان ، وأن الله سهل عليهم شرعه غاية التسهيل ، ولم يحملهم من المشاق ، والآصار ، والأغلال ، ما حمله على من قبلهم ، ولم يحمّلهم فوق