حالها. ومنها : أن شهادة المرأتين ، قائمة مقام الرجل الواحد ، في الحقوق الدنيوية ، وأما في الأمور الدينية ـ كالرواية والفتوى ـ فإن المرأة فيه ، تقوم مقام الرجل ، والفرق ظاهر بين البابين. ومنها : الإرشاد إلى الحكمة في كون شهادة المرأتين عن شهادة الرجل ، وأنه لضعف ذاكرة المرأة غالبا ، وقوة حافظة الرجل. ومنها : أن الشاهد لو نسي شهادته ، فذكره الشاهد الآخر ، فذكر أنه لا يضر ذلك النسيان ، إذا زال بالتذكير بقوله : (أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى) ، ومن باب أولى ، إذا نسي الشاهد ، ثم ذكر من دون تذكير ، فإن الشهادة مدارها على العلم واليقين. ومنها : أن الشهادة لا بد أن تكون عن علم ويقين ، لا عن شك ، فمتى صار عند الشاهد ريب في شهادته ـ ولو غلب على ظنه ـ لم يحل له أن يشهد إلا بما يعلم. ومنها : أن الشاهد ليس له أن يمتنع ، إذا دعي للشهادة ، سواء دعي للتحمل أو للأداء ، وأن القيام بالشهادة من أفضل الأعمال الصالحة ، كما أمر الله بها ، وأخبر عن نفعها ومصالحها. ومنها : أنه لا يحل الإضرار بالكاتب ، ولا بالشهيد ، بأن يدعيا في وقت أو حالة ، تضرهما. وكما أنه نهي لأهل الحقوق والمتعاملين ، وأن يضار الشهود والكتاب ، فإنه أيضا نهي للكاتب والشهيد ، أن يضار المتعاملين أو أحدهما. وفي هذا أيضا أن الشاهد والكاتب ـ إذا حصل عليهما ضرر في الكتابة والشهادة ـ أنه يسقط عنهما الوجوب. وفيها التنبيه على أن جميع المحسنين الفاعلين للمعروف ، لا يحل إضرارهم ، وتحميلهم ما لا يطيقون ، ف (هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ) (٦٠)؟ وكذلك على من أحسن وفعل معروفا ، أن يتمم إحسانه بترك الإضرار القولي والفعلي بمن أوقع به المعروف ، فإن الإحسان لا يتم إلا بذلك. ومنها : أنه لا يجوز أخذ الأجرة على الكتابة والشهادة ، حيث وجبت ، لأنه حق أوجبه الله على الكاتب والشهيد ، ولأنه من مضارة المتعاملين. ومنها : التنبيه على المصالح والفوائد المترتبة على العمل بهذه الإرشادات الجليلة ، وأن فيها حفظ الحقوق والعدل ، وقطع التنازع والسلامة من النسيان والذهول ، ولهذا قال : (ذلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهادَةِ وَأَدْنى أَلَّا تَرْتابُوا) ، وهذه مصالح ضرورية للعباد. ومنها : أن تعلم الكتابة من الأمور الدينية ، لأنها وسيلة إلى حفظ الدين والدنيا وسبب للإحسان. ومنها : أن من خصه الله بنعمة من النعم ، يحتاج الناس إليها ، فمن تمام شكر هذه النعمة ، أن يعود بها على عباد الله ، وأن يقضي بها حاجتهم ، لتعليل الله النهي عن الامتناع عن الكتابة ، بتذكير الكاتب بقوله : (كَما عَلَّمَهُ اللهُ) ، ومع هذا : «فمن كان في حاجة أخيه ، كان الله في حاجته». ومنها : أن الإضرار بالشهود والكتاب ، فسوق بالإنسان ، فإن الفسوق هو الخروج عن طاعة الله إلى معصيته ، وهو يزيد وينقص ، ويتبعض ، ولهذا لم يقل : «فأنتم فسّاق» أو «فاسقون» ، بل قال : (فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ) ، فبقدر خروج العبد عن طاعة ربه ، فإنه يحصل به من الفسوق ، بحسب ذلك. واستدل بقوله تعالى : (وَاتَّقُوا اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ) أن تقوى الله ، وسيلة إلى حصول العلم ، وأوضح من هذا قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً) ، أي : علما تفرقون به بين الحقائق والحق والباطل. ومنها : أنه كما أن من العلم النافع ، تعليم الأمور الدينية المتعلقة بالعبادات ، فمنه أيضا ، تعليم الأمور الدنيوية المتعلقة بالمعاملات ، فإن الله تعالى ، حفظ على العباد أمور دينهم ودنياهم ، وكتابه العظيم فيه تبيان كل شيء.
[٢٨٣] ومنها : مشروعية الوثيقة بالحقوق ، وهي الرهون والضمانات ، التي تكفل للعبد حصوله على حقه ، سواء عامل برا أو فاجرا ، أمينا أو خائنا ، فكم في الوثائق من حفظ حقوق ، وانقطاع منازعات. ومنها : أن تمام الوثيقة في الرهن ، أن يكون مقبوضا ، ولا يدل ذلك على أنه لا يصح الرهن إلا بالقبض ، بل التقييد بكون الرهن مقبوضا ، يدل على أنه قد يكون مقبوضا ، تحصل به الثقة التامة ، وقد لا يكون مقبوضا ، فيكون ناقصا. ومنها : أنه يستدل بقوله : (فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ) أنه إذا اختلف الراهن والمرتهن في مقدار الدين الذي به الرهن ، أن القول قول المرتهن ، صاحب الحق ، لأن الله جعل الرهن وثيقة به ، فلو لا أنه يقبل قوله في ذلك ، لم تحصل به الوثيقة لعدم الكتابة والشهود. ومنها : أنه يجوز التعامل بغير وثيقة ، ولا شهود ، لقوله : (فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ