أحدهما لعداوة ونحوها. ومنها : أن الكتابة بين المتعاملين من أفضل الأعمال ، ومن الإحسان إليهما ، وفيها حفظ حقوقهما ، وبراءة ذممهما كما أمره الله بذلك ، فليحتسب الكاتب بين الناس هذه الأمور ، ليحظى بثوابها. ومنها : أن الكاتب لا بد أن يكون عارفا بالعدل ، معروفا بالعدل ؛ لأنه إذا لم يكن عارفا بالعدل لم يتمكن منه ، وإذا لم يكن معتبرا عدلا عند الناس رضيا ، لم تكن كتابته معتبرة ، ولا حاصلا بها المقصود ، الذي هو حفظ الحقوق. ومنها : أن من تمام الكتابة والعدل فيها ، أن يحسن الكاتب الإنشاء ، والألفاظ المعتبرة في كل معاملة ، بحسبها ، وللعرف في هذا المقام ، اعتبار عظيم. ومنها : أن الكتابة من نعم الله على العباد التي لا تستقيم أمورهم الدينية ولا الدنيوية إلا بها ، وأن من علمه الله الكتابة ، فقد تفضل عليه بفضل عظيم ، فمن تمام شكره لنعمة الله تعالى ، أن يقضي بكتابته حاجات العباد ، ولا يمتنع عن الكتابة ، ولهذا قال : (وَلا يَأْبَ كاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَما عَلَّمَهُ اللهُ). ومنها : أن الذي يكتبه الكاتب ، هو اعتراف من عليه الحق ، إذا كان يحسن التعبير عن الحق الذي عليه ، فإن كان لا يحسن ذلك ـ لصغره ، أو سفهه ، أو جنونه ، أو خرسه ، أو عدم استطاعته ـ أملى عنه وليه ، وقام وليه في ذلك مقامه. ومنها : أن الاعتراف من أعظم الطرق ، التي تثبت بها الحقوق ، حيث أمر الله تعالى أن يكتب الكاتب ، ما أملى عليه من عليه الحق. ومنها : ثبوت الولاية على القاصرين ، من الصغار والمجانين ، والسفهاء ونحوهم. ومنها : أن الولي يقوم مقام موليه ، في جميع اعترافاته المتعلقة بحقوقه. ومنها : أن من أمنته في معاملة ، وفوّضته فيها ، فقوله في ذلك مقبول ، وهو نائب منابك ، لأنه إذا كان الولي على القاصرين ينوب منابهم ، فالذي وليته باختيارك وفوضت إليه الأمر ، أولى بالقبول ، واعتبار قوله وتقديمه على قولك عند الاختلاف. ومنها : أنه يجب على الذي عليه الحق ـ إذا أملى على الكاتب ـ أن يتقي الله ، ولا يبخس الحق الذي عليه ، فلا ينقصه في قدره ، ولا في وصفه ، ولا في شرط من شروطه ، أو قيد من قيوده ، بل عليه أن يعترف بكل ما عليه من متعلقات الحق ، كما يجب ذلك إذا كان الحق على غيره له ، فمن لم يفعل ذلك ، فهو من المطففين الباخسين. ومنها : وجوب الاعتراف بالحقوق الخفية ، وأن ذلك من أعظم خصال التقوى ، كما أن ترك الاعتراف بها من نواقض التقوى ونواقصها. ومنها : الإرشاد إلى الإشهاد في البيع ، فإن كانت في المداينات ، فحكمها حكم الكتابة كما تقدم ، لأن الكتابة هي كتابة الشهادة ، وإن كان البيع بيعا حاضرا ، فينبغي الإشهاد فيه ، ولا حرج فيه بترك الكتابة ، لكثرته وحصول المشقة فيه. ومنها : الإرشاد إلى إشهاد رجلين عدلين ، فإن لم يمكن ، أو تعذر ، أو تعسر ، فرجل وامرأتان ، وذلك شامل لجميع المعاملات ، بيوع الإدارة ، وبيوع الديون ، وتوابعها من الشروط والوثائق وغيرها. وإذا قيل : قد ثبت أنه صلىاللهعليهوسلم قضى بالشاهد الواحد مع اليمين ، والآية الكريمة ليس فيها إلا شهادة رجلين ، أو رجل وامرأتين ، قيل : الآية الكريمة ، فيها إرشاد الباري عباده إلى حفظ حقوقهم ، ولهذا أتى فيها بأكمل الطرق ، وأقواها ، وليس فيها ما ينافي ما ذكره النبي صلىاللهعليهوسلم من الحكم بالشاهد واليمين. فباب حفظ الحقوق في ابتداء الأمر ، يرشد فيه العبد إلى الاحتراز والتحفظ التام ، وباب الحكم بين المتنازعين ، ينظر فيه إلى المرجحات والبينات ، بحسب