في أصولهم وفروعهم ، فعلم بذلك أنه رسول الله ، وأن ما جاء به حق لا ريب فيه. وأيضا فقوله : (وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ) ، أي : لأخفف عنكم بعض الآصار ، والأغلال.
[٥١] (فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ. إِنَّ اللهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ) ، وهذا ما يدعو إليه جميع الرسل ، عبادة الله وحده لا شريك له ، وطاعتهم. وهذا هو الصراط المستقيم الذي من يسلكه أوصله إلى جنات النعيم ، فحينئذ اختلفت أحزاب بني إسرائيل في عيسى ، فمنهم من آمن به واتبعه ، ومنهم من كفر به وكذبه ، ورمى أمه بالفاحشة كاليهود.
[٥٢] (فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسى مِنْهُمُ الْكُفْرَ) والاتفاق على رد دعوته ، (قالَ) : نادبا لبني إسرائيل على مؤازرته (مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ قالَ الْحَوارِيُّونَ) ، أي : الأنصار (نَحْنُ أَنْصارُ اللهِ آمَنَّا بِاللهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) ، وهذا من منة الله عليهم ، وعلى عيسى ، حيث ألهم هؤلاء الحواريين ، الإيمان به ، والانقياد لطاعته ، والنصرة لرسوله.
[٥٣] (رَبَّنا آمَنَّا بِما أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ) ، وهذا التزام تام للإيمان ، بكل ما أنزل الله ، ولطاعة رسوله.
(فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ) لك بالوحدانية ، ولنبيك بالرسالة ، ولدينك بالحق والصدق.
[٥٤] (فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسى مِنْهُمُ الْكُفْرَ) وهم جمهور بني إسرائيل ، فإنهم (مَكَرُوا) بعيسى (وَمَكَرَ اللهُ) بهم ، (وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ) ، فاتفقوا على قتله وصلبه ، وشبه لهم عيسى.
[٥٥] فقبضوا على من شبه لهم به ، وقال الله لعيسى : (إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا) ، فرفعه الله إليه ، وطهره من الذين كفروا ، وصلبوا من قتلوه ، ظانين أنه عيسى ، وباؤوا بالإثم العظيم. وسينزل عيسى ابن مريم ، في آخر هذه الأمة حكما عدلا ، يقتل الخنزير ، ويكسر الصليب ، ويتبع ما جاء به محمد صلىاللهعليهوسلم ، ويعلم الكاذبون غرورهم وخداعهم ، وأنهم مغرورون مخدوعون. وقوله : (وَجاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) ، المراد بمن اتبعه : الطائفة التي آمنت به ، ونصرهم الله على من انحرف عن دينه. ثم لما جاءت أمة محمد صلىاللهعليهوسلم ، فكانوا هم أتباعه حقا ، فأيدهم الله ونصرهم على الكفار كلهم ، وأظهرهم بالدين الذي جاءهم به محمد صلىاللهعليهوسلم : (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ) ، الآية. ولكن حكمة الله عادلة ، فإنها اقتضت أن من تمسك بالدين ، نصره الله النصر المبين ، وأن من ترك أمره ونهيه ، ونبذ شرعه ، وتجرأ على معاصيه ، أن يعاقبه ويسلط عليه الأعداء ، (وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ). وقوله : (ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ).
[٥٦ ـ ٥٧] ثم بين ما يفعله بهم ، فقال : (فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا) الآيتين. وهذا الجزاء عام لكل من اتصف بهذه الأوصاف ، من جميع أهل الأديان السابقة. ثم لما بعث سيد المرسلين ، وخاتم النبيين ، ونسخت رسالته ، الرسالات كلها ، ونسخ دينه ، جميع الأديان ، صار المتمسك بغير هذا الدين ، من الهالكين.
[٥٨] وقوله تعالى : (ذلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ) الآية. أي : هذا القرآن العظيم ، الذي فيه نبأ الأولين والآخرين ، والأنبياء والمرسلين ـ هو آيات الله البينات ، وهو الذي يذكر العباد كل ما يحتاجونه ، وهو الحكيم المحكم ، صادق