وجعلهم إخوانا ، وكانوا على شفا حفرة من النار ، فأنقذهم من الشقاء ، ونهج بهم طريق السعادة. (كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) إلى شكر الله والتمسك بحبله ، وأمرهم بتتميم هذه الحالة. والسبب الأقوى الذي يتمكنون به من إقامة دينهم ، بأن يتصدى منهم طائفة يحصل فيها الكفاية. (يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ) وهو الدين ، أصوله ، وفروعه وشرائعه. (وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ) وهو ما عرف حسنه شرعا وعقلا. (وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) وهو ما عرف قبحه شرعا وعقلا. (وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) المدركون لكل مطلوب ، الناجون من كل مرهوب. ويدخل في هذه الطائفة أهل العلم والتعليم ، والمتصدون للخطابة ووعظ الناس ، عموما وخصوصا ، والمحتسبون الذين يقومون بإلزام الناس بإقامة الصلوات ، وإيتاء الزكاة ، والقيام بشرائع الدين ، وينهونهم عن المنكرات. فكل من دعا الناس إلى خير على وجه العموم ، أو على وجه الخصوص ، أو قام بنصيحة عامة أو خاصة ، فإنه داخل في هذه الآية الكريمة. ثم نهاهم عن سلوك مسلك المتفرقين ، الذين جاءهم الدين والبينات ، الموجب لقيامهم به ، واجتماعهم ، فتفرقوا واختلفوا وصاروا شيعا ، ولم يصدر ذلك عن جهل وضلال ، وإنما صدر عن علم وقصد سيىء ، وبغي من بعضهم على بعض ، ولهذا قال : (وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ).
[١٠٦ ـ ١٠٧] ثم بيّن متى يكون هذا العذاب العظيم ، ويمسهم هذا العذاب الأليم ، فقال : (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ) ، الآيتين. يخبر تعالى ، بتفاوت الخلق يوم القيامة ، في السعادة والشقاوة ، وأنه تبيض وجوه أهل السعادة ، الذين آمنوا بالله ، وصدقوا رسله ، وامتثلوا أمره ، واجتنبوا نهيه ، وأن الله تعالى ، يدخلهم الجنات ، ويفيض عليهم أنواع الكرامات ، وهم فيها خالدون. وتسود وجوه أهل الشقاوة ، الذين كذبوا رسله ، وعصوا أمره ، وفرقوا دينهم شيعا وأنهم يوبخون ، فيقال لهم : (أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ) ، فكيف اخترتم الكفر على الإيمان؟ (فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ).
[١٠٨ ـ ١٠٩] يثني تعالى ، على ما قصه على نبيه من آياته ، التي حصل بها الفرقان بين الحق والباطل ، وبين أولياء الله وأعدائه ، وما أعده لهؤلاء من الثواب ، وللآخرين من العقاب ، وأن ذلك مقتضى فضله وعدله ، وحكمته ، وأنه لم يظلم عباده ، ولم ينقصهم من أعمالهم ، أو يعذب أحدا بغير ذنبه ، أو يحمل عليه وزر غيره. ولما ذكر أن له الأمر والشرع ، ذكر أن له تمام الملك والتصرف والسلطان ، فقال : (وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ) (١٠٩) ، فيجازي المحسنين بإحسانهم ، والمسيئين بعصيانهم. وكثيرا ما يذكر الله أحكامه الثلاثة مجتمعة ليبين لعباده أنه الحاكم المطلق ، فله الأحكام القدرية والأحكام الشرعية ، والأحكام الجزائية ، فهو الحاكم بين عباده في الدنيا والآخرة. ومن سواه من المخلوقات ، محكوم عليها ليس لها من الأمر شيء.
[١١٠ ـ ١١١] هذا تفضيل من الله لهذه الأمة بهذه الأسباب ، التي تميزوا بها وفاقوا بها سائر الأمم ، وأنهم خير الناس للناس ، نصحا ، ومحبة للخير ، ودعوة ، وتعليما ، وإرشادا ، وأمرا بالمعروف ، ونهيا عن المنكر ، وجمعا بين