[١١٨ ـ ١١٩] هذا تحذير من الله لعباده عن ولاية الكفار ، واتخاذهم بطانة ، أو خصيصة وأصدقاء ، يسرون إليهم ، ويفضون لهم بأسرار المؤمنين ، فوضح لعباده المؤمنين ، الأمور الموجبة للبراءة من اتخاذهم بطانة بأنهم لا يألونكم خبالا ، أي : هم حريصون غير مقصرين ، في إيصال الضرر بكم ، وقد بدت البغضاء من كلامهم ، وفلتات ألسنتهم ، وما تخفيه صدورهم ، من البغضاء والعداوة ، أكبر مما ظهر لكم من أقوالهم وأفعالهم. فإن كانت لكم فهوم وعقول ، فقد وضح الله لكم أمرهم. وأيضا ، فما الموجب لمحبتهم واتخاذهم أولياء وبطانة ، وقد تعلمون منهم الانحراف العظيم في الدين وفي مقابلة إحسانكم؟ فأنتم مستقيمون على أديان الرسل ، تؤمنون بكل رسول أرسله الله ، وبكل كتاب أنزله الله ، وهم يكفرون بأجلّ الكتب ، وأشرف الرسل ، وأنتم تبذلون لهم من الشفقة والمحبة ، ما لا يكافئونكم على أقل القليل منه. فكيف تحبونهم ، وهم لا يحبونكم ، وهم يداهنونكم وينافقونكم ، فإذا لقوكم قالوا آمنا ، وإذا خلوا مع بني جنسهم ، عضوا عليكم الأنامل ، من شدة الغيظ والبغض لكم ولدينكم. قال تعالى : (قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ) ، أي : سترون من عز الإسلام وذل الكفر ما يسوؤكم ، وتموتون بغيظكم ، فلن تدركوا شفاء ذلك بما تقصدون. (إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) ، فلذلك بيّن لعباده المؤمنين ، ما تنطوي عليه صدور أعداء الدين من الكفار والمنافقين.
[١٢٠] (إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ) عز ونصر وعافية وخير (تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ) من إدالة العدو ، أو حصول بعض المصائب الدنيوية (يَفْرَحُوا بِها) ، وهذا وصف العدو الشديد عداوته. لمّا بين تعالى شدة عداوتهم ، وشرح ما هم عليه من الصفات الخبيثة ، أمر عباده المؤمنين بالصبر ، ولزوم التقوى ، وأنهم إذا قاموا بذلك ، فلن يضرهم كيد أعدائهم شيئا ، فإن الله محيط بهم وبأعمالهم وبمكائدهم ، التي يكيدونكم فيها. وقد وعدكم عند القيام بالتقوى ، أنهم لا يضرونكم شيئا ، فلا تشكوا في حصول ذلك.
[١٢١ ـ ١٢٣] (وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ) ، إلى آخر القصة. وذلك يوم «أحد» حين خرج صلىاللهعليهوسلم بالمسلمين ، حين وصل المشركون ـ بجمعهم ـ إلى قريب من «أحد». فنزلهم صلىاللهعليهوسلم منازلهم ، ورتبهم في مقاعدهم ، ونظمهم تنظيما عجيبا ، يدل على كمال رأيه وبراعته الكاملة في فنون السياسة والحرب ، كما كان كاملا في كل المقامات. (وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) ، لا يخفى عليه شيء من أموركم. (إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا) وهم بنو سلمة وبنو حارثة ، لكن تولاهما الباري بلطفه ورعايته وتوفيقه. (وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) ، فإنهم إذا توكلوا عليه ، كفاهم وأعانهم ، وعصمهم من وقوع ما يضرهم ، في دينهم ودنياهم. وفي هذه الآية ونحوها ، وجوب التوكل وأنه على حسب إيمان العبد ، يكون توكله ، والتوكل هو اعتماد العبد على ربه في حصول منافعه ، ودفع مضاره ، فلما ذكر حالهم في «أحد» وما جرى عليهم من المصيبة ، أدخل فيها تذكيرهم بنصره ، ونعمته عليهم يوم «بدر» ليكونوا شاكرين لربهم ، وليخفف هذا ، فقال : (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ) في عددكم وعدّتكم ،