فكانوا ثلاثمائة ، وبضعة عشر ، في قلة ظهر ، ورثاثة سلاح ، وأعداؤهم يناهزون الألف ، في كمال العدة والسلاح. (فَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) الذي أنعم عليكم بنصره.
[١٢٤ ـ ١٢٧] (إِذْ تَقُولُ) مبشرا (لِلْمُؤْمِنِينَ) مثبتا لجنانهم : (أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ بَلى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هذا) ، أي : من حملتهم هذه بهذا الوجه. (يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ) ، أي : معلمين علامة الشجعان. واختلف الناس ، هل كان هذا الإمداد حصل فيه من الملائكة ، مباشرة للقتال ، كما قاله بعضهم ، أو أن ذلك تثبيت من الله لعباده المؤمنين ، وإلقاء الرعب في قلوب المشركين ، كما قاله كثير من المفسرين. ويدل عليه قوله : (وَما جَعَلَهُ اللهُ إِلَّا بُشْرى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) (١٢٦) ، وفي هذا أن الأسباب لا يعتمد عليها العبد ، بل يعتمد على الله. وإنما الأسباب وتوفرها ، فيها طمأنينة للقلوب ، وثبات كل على الخير. (لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خائِبِينَ) (١٢٧) ، أي : نصر الله لعباده المؤمنين ، لا يعدو أن يكون قطعا لطرف من الكفار ، أو ينقلبوا بغيظهم ، لم ينالوا خيرا ، كما أرجعهم يوم الخندق ، بعد ما كانوا قد أتوا على حرد قادرين ، أرجعهم الله بغيظهم خائبين.
[١٢٨] لما أصيب صلىاللهعليهوسلم يوم «أحد» وكسرت رباعيته ، وشج في رأسه ، جعل يقول : «كيف يفلح قوم ، شجوا وجه نبيهم ، وكسروا رباعيته» ، فأنزل الله تعالى هذه الآية ، وبين أن الأمر كله لله ، وأن الرسول صلىاللهعليهوسلم ليس له من الأمر شيء ، لأنه عبد من عبيد الله ، والجميع تحت عبودية ربهم ، مدبّرون لا مدبّرون. وهؤلاء الذين دعوت عليهم ، أيها الرسول ، أو استبعدت فلاحهم وهدايتهم ، إن شاء الله تاب عليهم ، ووفقهم للدخول في الإسلام ، وقد فعل ، فإن أكثر أولئك هداهم الله فأسلموا. وإن شاء الله عذبهم ، فإنهم ظالمون ، مستحقون لعقوبات الله وعذابه.
[١٢٩] (وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ) يخبر تعالى ، أنه هو المتصرف في العالم العلوي والسفلي ، وأنه يتوب على من يشاء ، فيغفر له ، ويخذل من يشاء ، فيعذبه. (وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) فمن صفته اللازمة ، كمال المغفرة والرحمة ، ووجود مقتضياتهما في الخلق والأمر ، يغفر للتائبين ، ويرحم من قام بالأسباب الموجبة للرحمة. قال تعالى : (وَأَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (١٣٢).
[١٣٠ ـ ١٣١] تقدم في مقدمة هذا التفسير ، أن العبد ينبغي له مراعاة الأوامر والنواهي في نفسه وفي غيره ، وأن الله تعالى إذا أمره بأمر ، وجب عليه ـ أولا ـ أن يعرف حده ، وما هو الذي أمر به ، ليتمكن بذلك من امتثاله ، فإذا عرف ذلك ، اجتهد ، واستعان بالله على امتثاله ، في نفسه وفي غيره ، بحسب قدرته وإمكانه. وكذلك إذا نهي عن أمر ، عرف حده ، وما يدخل فيه ، وما لا يدخل ، ثم اجتهد واستعان بربه في تركه. وأن هذا ينبغي مراعاته في جميع الأوامر الإلهية والنواهي. وهذه الآيات الكريمات ، وقد اشتملت على أوامر وخصال من خصال الخير ، أمر الله بها ، وحث على فعلها ، وأخبر عن جزاء أهلها ، وعلى نواهي ، حث على تركها. ولعل الحكمة ـ والله أعلم ـ في إدخال