لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ) الآية. فلما تشابهت قلوبهم بالكفر ، تشابهت أقوالهم وأفعالهم. وهكذا كل من نسب حصول الشر ، أو زوال الخير ، لما جاءت به الرسل أو لبعضه ، فهو داخل في هذا الذم الوخيم. قال الله في جوابهم : (قُلْ كُلٌ) أي : من الحسنة والسيئة ، والخير والشر. (مِنْ عِنْدِ اللهِ) أي : بقضائه وقدره ، وخلقه. (فَما لِهؤُلاءِ الْقَوْمِ) أي : الصادر منهم تلك المقالة الباطلة. (لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً) أي : لا يفهمون حديثا بالكلية ، ولا يقربون من فهمه ، أو لا يفهمون منه إلا فهما ضعيفا. وعلى كل ، فهو ذم لهم وتوبيخ على عدم فهمهم وفقههم عن الله ، وعن رسوله ، وذلك بسبب كفرهم وإعراضهم. وفي ضمن ذلك ، مدح من يفهم عن الله وعن رسوله ، والحث على ذلك ، وعلى الأسباب المعينة على ذلك ، من الإقبال على كلامهما وتدبره ، وسلوك الطرق الموصلة إليه. فلو فقهوا عن الله ، لعلموا أن الخير والشر ، والحسنات والسيئات ، كلها بقضاء الله وقدره ، لا يخرج منها شيء عن ذلك. وأن الرسل ، عليهم الصلاة والسّلام ، لا يكونون سببا لشر يحدث ، لا هم ، ولا ما جاؤوا به ، لأنهم بعثوا بمصالح الدنيا والآخرة والدين.
[٧٩] ثم قال تعالى : (ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ) أي : في الدين والدنيا (فَمِنَ اللهِ) هو الذي منّ بها ويسرها بتيسير أسبابها. (وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ) في الدين والدنيا (فَمِنْ نَفْسِكَ) أي : بذنوبك وكسبك ، وما يعفو الله عنه أكثر. فالله تعالى ، قد فتح لعباده أبواب إحسانه ، وأمرهم بالدخول لبره وفضله ، وأخبرهم أن المعاصي مانعة من فضله. فإذا فعلها العبد ، فلا يلو من إلا نفسه ، فإنه المانع لنفسه ، عن وصول فضل الله وبره. ثم أخبر عن عموم رسالة رسوله محمد صلىاللهعليهوسلم فقال : (وَأَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً) على أنك رسول الله حقا بما أيدك بنصره ، والمعجزات الباهرة ، والبراهين الساطعة ، فهي أكبر شهادة على الإطلاق. كما قال تعالى : (فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ (٢١) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ) (٢٢). فإن علم أن الله تعالى ، كامل العلم ، وتام القدرة ، عظيم الحكمة ، وقد أيد الله رسوله بما أيده ، ونصره نصرا عظيما ، تيقن بذلك أنه رسول الله. وإلا فلو تقول عليه بعض الأقاويل ، لأخذ منه باليمين ، ثم لقطع منه الوتين.
[٨٠] أي : كل من أطاع رسول الله في أوامره ونواهيه (فَقَدْ أَطاعَ اللهَ) تعالى ، لكونه لا يأمر ولا ينهى ، إلا بأمر الله ، وشرعه ، ووحيه وتنزيله. وفي هذا عصمة الرسول صلىاللهعليهوسلم لأن الله أمر بطاعته مطلقا فلو لا أنه معصوم في كل ما يبلغ عن الله ، لم يأمر بطاعته مطلقا ، ويمدح على ذلك. وهذا من الحقوق المشتركة ، فإن الحقوق ثلاثة : حق الله تعالى ، لا يكون لأحد من الخلق ، وهو عبادة الله ، والرغبة إليه ، وتوابع ذلك. وقسم مختص بالرسول ، وهو التعزير ، والتوقير ، والنصرة. وقسم مشترك ، وهو الإيمان بالله ورسوله ، ومحبتهما وطاعتهما. كما جمع الله بين هذه الحقوق في قوله : (لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً) (٩). فمن أطاع الرسول ، فقد أطاع الله ، وله من الثواب والخير ، ما رتب على طاعة الله. (وَمَنْ تَوَلَّى) عن طاعة الله ورسوله ، فإنه لا يضر إلا نفسه ، ولا يضر الله شيئا. (فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً) أي : تحفظ أعمالهم ، وأحوالهم ، بل أرسلناك مبلغا ومبينا وناصحا. وقد أديت وظيفتك ، ووجب أجرك على الله ، سواء اهتدوا ، أم لم يهتدوا. كما قال تعالى : (فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ (٢١) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ) (٢٢) الآية.
[٨١] ولا بد أن تكون طاعة الله ورسوله ، ظاهرا وباطنا ، في الحضرة والمغيب. فأما من يظهر في الحضرة ، الطاعة والالتزام ، فإذا خلا بنفسه ، أو أبناء جنسه ، ترك الطاعة ، وأقبل على ضدها ، فإن الطاعة التي أظهرها ، غير نافعة ولا مفيدة ، وقد أشبه من قال الله فيهم : (وَيَقُولُونَ طاعَةٌ) أي : يظهرون الطاعة إذا كانوا عندك. (فَإِذا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ) أي : خرجوا ، وخلوا في حالة لا يطلع فيها عليهم. (بَيَّتَ طائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ) أي : بيتوا ودبروا غير طاعتك ، ولا ثم إلا المعصية. وفي قوله : (بَيَّتَ طائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ) دليل على أن الأمر الذي