بشيء ، لا يخل به لو صلوها بعدة أئمة ، وذلك لأجل اجتماع كلمة المسلمين ، واتفاقهم ، وعدم تفرق كلمتهم ، وليكون ذلك أوقع هيبة في قلوب أعدائهم. وأمر تعالى ، بأخذ السلاح ، والحذر في صلاة الخوف. وهذا ، وإن كان فيه حركة واشتغال عن بعض أحوال الصلاة ، فإن فيه مصلحة راجحة ، وهو الجمع بين الصلاة والجهاد ، والحذر من الأعداء الحريصين غاية الحرص ، على الإيقاع بالمسلمين ، والميل عليهم وعلى أمتعتهم ولهذا قال تعالى : (وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً واحِدَةً). ثم إن الله عذر من له عذر ، من مرض ، أو مطر ، أن يضع سلاحه ، ولكن مع أخذ الحذر فقال : (وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللهَ أَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً). ومن العذاب المهين ، ما أمر الله به حزبه المؤمنين ، وأنصار دينه الموحدين ، من قتلهم وقتالهم ، حيثما ثقفوهم ، ويأخذوهم ، ويحصروهم ، ويقعدوا لهم كل مرصد ، ويحذروهم في جميع الأحوال ، ولا يغفلوا عنهم ، خشية أن ينال الكفار بعض مطلوبهم فيهم. فلله أعظم حمد وثناء ، على ما منّ به على المؤمنين ، وأيدهم بمعونته وتعاليمه ، التي لو سلكوها على وجه الكمال ، لم تهزم لهم راية ، ولم يظهر عليهم عدو ، في وقت من الأوقات. وقوله : (فَإِذا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ) يدل على أن هذه الطائفة تكمل جميع صلاتها قبل ذهابهم إلى موضع الحارسين. وأن الرسول صلىاللهعليهوسلم يثبت منتظرا للطائفة الأخرى قبل السلام ، لأنه أولا ، ذكر أن الطائفة تقوم معه ، فأخبر عن مصاحبتهم له. ثم أضاف الفعل بعد إليهم دون الرسول ، فدل ذلك على ما ذكرناه. وفي قوله : (وَلْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ) دليل على أن الطائفة الأولى قد صلوا. وأن جميع صلاة الطائفة الثانية تكون مع الإمام حقيقة ، في ركعتهم الأولى ، وحكما في ركعتهم الأخيرة. فيستلزم ذلك ، انتظار الإمام إياهم ، حتى يكملوا صلاتهم. ثم يسلم بهم ، وهذا ظاهر للمتأمل.
[١٠٣] أي : فإذا فرغتم من صلاتكم ، صلاة الخوف وغيرها ، فاذكروا الله في جميع أحوالكم وهيئاتكم. ولكن خصت صلاة الخوف بذلك لفوائد. منها : أن القلب صلاحه وفلاحه ، وسعادته ، بالإنابة إلى الله تعالى ، في المحبة ، وامتلاء القلب من ذكره ، والثناء عليه. وأعظم ما يحصل به هذا المقصود ، الصلاة ، التي حقيقتها : أنها صلة بين العبد وبين ربه. ومنها : أن فيها من حقائق الإيمان ، ومعارف الإيقان ، ما أوجب أن يفرضها الله على عباده كل يوم وليلة. ومن المعلوم أن صلاة الخوف ، لا تحصل فيها هذه المقاصد الحميدة بسبب اشتغال القلب ، والبدن ، والخوف ، فأمر بجبرها بالذكر بعدها. ومنها : أن الخوف ، يوجب قلق القلب وخوفه ، وهو مظنة لضعفه. وإذا ضعف القلب ، ضعف البدن عن مقاومة العدو. والذكر لله والإكثار منه من أعظم مقويات القلب. ومنها : أن الذكر لله تعالى ـ مع الصبر والثبات ـ سبب للفلاح والظفر بالأعداء. كما قال تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ). فأمر بالإكثار منه في هذه الحال ، إلى غير ذلك من الحكم. وقوله : (فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) أي : إذا أمنتم من الخوف ، واطمأنت قلوبكم وأبدانكم ، فأقيموا صلاتكم على الوجه الأكمل ، ظاهرا وباطنا ، بأركانها وشروطها ، وخشوعها ، وسائر مكملاتها. (إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً) أي : مفروضا في وقته. فدل ذلك على فرضيتها ، وأن لها وقتا ، لا تصح إلا به ، وهو هذه الأوقات ، التي قد تقررت عند المسلمين ، صغيرهم ، وكبيرهم ، عالمهم وجاهلهم ، وأخذوا ذلك عن نبيهم محمد صلىاللهعليهوسلم بقوله : «صلّوا كما رأيتموني أصلي». ودل قوله : (عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) على أن الصلاة ميزان الإيمان ، وعلى حسب إيمان العبد ، تكون صلاته ، وتتم وتكمل. ويدل ذلك ، على أن الكفار ـ وإن كانوا ملتزمين لأحكام المسلمين كأهل الذمة ـ أنهم لا يخاطبون بفروع الدين كالصلاة ، ولا يؤمرون بها ، بل ولا تصح منهم ، ما داموا على كفرهم ، وإن كانوا يعاقبون عليها ، وعلى سائر الأحكام ، في الآخرة.
[١٠٤] أي : لا تضعفوا ولا تكسلوا ، في ابتغاء عدوكم من الكفار ، أي : في جهادهم ، والمرابطة على ذلك فإن