في العمل بما يجب. فسعيه في غير هذا الطريق ، ظلم لنفسه ، وخيانة ، وعدول بها عن العدل ، الذي ضده ، الجور والظلم.
[١١١] ثم قال : (وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْماً فَإِنَّما يَكْسِبُهُ عَلى نَفْسِهِ) وهذا يشمل ، كل ما يؤثم ، من صغير وكبير. فمن كسب سيئة ، فإن عقوبتها الدنيوية والأخروية ، على نفسه ، لا تتعداها إلى غيرها ، كما قال تعالى : (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى). لكن إذا ظهرت السيئات ، فلم تنكر ، عمت عقوبتها ، وشمل إثمها. فلا تخرج أيضا ، عن حكم هذه الآية الكريمة ، لأن من ترك الإنكار الواجب ، فقد كسب سيئة. وفي هذا بيان عدل الله وحكمته ، أنه لا يعاقب أحدا بذنب أحد ، ولا يعاقب أحدا أكثر من العقوبة الناشئة عن ذنبه ، ولهذا قال : (وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً) أي : له العلم الكامل ، والحكمة التامة. ومن علمه وحكمته ، أنه يعلم الذنب ، ومن صدر منه ، والسبب الداعي لفعله ، والعقوبة المترتبة على فعله. ويعلم حالة المذنب ، أنه إن صدر منه الذنب ، بغلبة دواعي نفسه الأمّارة بالسوء ، مع إنابته إلى ربه ، في كثير من أوقاته ، أنه سيغفر له ، ويوفقه للتوبة. وإن صدر بتجرئه على المحارم ، استخفافا بنظر ربه ، وتهاونا بعقابه ، فإن هذا بعيد من المغفرة ، بعيد من التوفيق للتوبة.
[١١٢] ثم قال : (وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً) أي : ذنبا كبيرا (أَوْ إِثْماً) ما دون ذلك. (ثُمَّ يَرْمِ بِهِ) أي : يتهم بذنبه (بَرِيئاً) من ذلك الذنب ، وإن كان مذنبا (فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً) أي : فقد حمل فوق ظهره ، بهتا للبريء وإثما ظاهرا بينا. وهذا يدل على أن ذلك من كبائر الذنوب وموبقاتها. فإنه قد جمع عدة مفاسد : كسب الخطيئة ، والإثم. ثم رمى من لم يفعلها بفعلها. ثم الكذب الشنيع ، بتبرئة نفسه ، واتهام البريء. ثم ما يترتب على ذلك ، من العقوبة الدنيوية ، تندفع عمن وجبت عليه ، وتقام على من لا يستحقها. ثم ما يترتب على ذلك أيضا ، من كلام الناس في البريء ، إلى غير ذلك من المفاسد ، التي نسأل الله العافية منها ، ومن كل شر.
[١١٣] ثم ذكر منته على رسوله بحفظه وعصمته ممن أراد أن يضله فقال : (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ). وذلك أن هذه الآيات الكريمات ، قد ذكر المفسرون ، أن سبب نزولها ، أن أهل بيت ، سرقوا في المدينة. فلما اطلع على سرقتهم ، خافوا الفضيحة ، وأخذوا سرقتهم ، فرموها ببيت من هو بريء من ذلك. واستعان السارق بقومه ، أن يأتوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ويطلبوا منه أن يبرىء صاحبهم ، على رؤوس الناس. وقالوا : إنه لم يسرق ، وإنما الذي سرق ، من وجدت السرقة ببيته ، وهو البريء. فهمّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، أن يبرىء صاحبهم. فأنزل الله هذه الآيات تذكيرا ، وتبيينا لتلك الواقعة ، وتحذيرا للرسول صلىاللهعليهوسلم ، من المخاصمة عن الخائنين ، فإن المخاصمة عن المبطل ، من الضلال. فإن الضلال نوعان : ضلال في العلم ، وهو الجهل بالحق ، وضلال في العمل ، وهو : العمل بغير ما يجب. فحفظ الله رسوله ، عن هذا النوع من الضلال ، كما حفظه عن الضلال في الأعمال. وأخبر أن كيدهم ومكرهم ، يعود على أنفسهم ، كحالة كل ماكر ، فقال : (وَما يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ) لكون ذلك المكر ، وذلك التحيل ، لم يحصل لهم فيه مقصودهم ، ولم يحصل لهم إلا الخيبة والحرمان ، والإثم