الموضع ، افتراس السبع ، والذئاب للغنم المنفردة.
ولو لا لطف الله وكرمه بعباده المخلصين ، لجرى عليهم ، ما جرى على هؤلاء المفتونين ، فخسروا الدنيا والآخرة ، ورجعوا بالخيبة والصفقة الخاسرة. وهذا الذي جرى عليهم ، من توليهم عن ربهم وفاطرهم ، وتوليهم لعدوهم المريد لهم الشر ، من كل وجه. ولهذا قال : (وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْراناً مُبِيناً). وأي خسار أبين وأعظم ، ممن خسر دينه ودنياه ، وأوبقته معاصيه وخطاياه؟ فحصل له الشقاء الأبدي ، وفاته النعيم السرمدي. كما أن من تولى مولاه ، وآثر رضاه ، ربح كل الربح ، وأفلح كل الفلاح ، وفاز بسعادة الدارين ، وأصبح قرير العين. اللهم ، فلا مانع لما أعطيت ، ولا معطي لما منعت. اللهم تولنا فيمن توليت ، وعافنا فيمن عافيت.
[١٢٠] ثم قال : (يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ) أي : يعد الشيطان من يسعى في إضلالهم. والوعد يشمل حتى الوعيد كما قال تعالى : (الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ). فإنه يعدهم ـ إذا أنفقوا في سبيل الله افتقروا. ويخوفهم إذا جاهدوا ، بالقتل وغيره كما قال تعالى : (إِنَّما ذلِكُمُ الشَّيْطانُ يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ) الآية. ويخوفهم عند إيثار مرضاة الله ، بكل ما يمكن ، وما لا يمكن ، مما يدخله في عقولهم ، حتى يكسلوا عن فعل الخير. وكذلك يمنيهم الأماني الباطلة ، التي هي ـ عند التحقيق ـ كالسراب الذي لا حقيقة له. ولهذا قال : (وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً أُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ) أي : من انقاد للشيطان ، وأعرض عن ربه ، وصار من أتباع إبليس وحزبه ، مستقرهم النار. (وَلا يَجِدُونَ عَنْها مَحِيصاً) أي : مخلصا ولا ملجأ ، بل هم خالدون فيها أبد الآباد.
[١٢٢] ولما بين مآل الأشقياء ، أولياء الشيطان ، ذكر مآل السعداء أوليائه فقال : (وَالَّذِينَ آمَنُوا) الآية. أي : آمنوا بالله وملائكته ، وكتبه ، ورسله ، واليوم الآخر ، والقدر ، خيره وشره ، على الوجه الذي أمروا به ، علما ، وتصديقا ، وإقرارا. (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) الناشئة عن الإيمان. وهذا يشمل سائر المأمورات ، من واجب ، ومستحب ، الذي على القلب ، والذي على اللسان ، والذي على بقية الجوارح. كل له ، من الثواب المرتب على ذلك ، بحسب حاله ومقامه ، وتكميله للإيمان والعمل الصالح. ويقويه ، ما رتب على ذلك ، بحسب ما أخل به من الإيمان والعمل. وذلك بحسب ما علم من حكمة الله ورحمته. وكذلك وعده الصادق ، الذي يعرف من تتبع كتاب الله وسنّة رسوله. ولهذا ذكر الثواب المرتب على ذلك بقوله : (سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) فيها ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، من أنواع المآكل ، والمشارب اللذيذة ، والمناظر العجيبة ، والأزواج الحسنة ، والقصور ، والغرف المزخرفة ، والأشجار المتدلية ، والفواكه المستغربة والأصوات الشجية ، والنعم السابغة ، وتزاور الإخوان ، وتذكرهم ما كان منهم ، في رياض الجنات. وأعلى من ذلك وأجل رضوان الله عليهم ، وتمتع الأرواح بقربه ، والعيون برؤيته ، والأسماع بخطابه ، الذي ينسيهم كل نعيم وسرور. ولو لا الثبات من الله لهم ، لطاروا ، وماتوا من الفرح والحبور. فلله ما أحلى ذلك النعيم ، وما أعلى ما أتاهم الرب الكريم ، وما حصل لهم ، من كل خير وبهجة ، لا يصفه الواصفون. وتمام ذلك وكماله ، الخلود الدائم ، في تلك المنازل العاليات ، ولهذا قال : (خالِدِينَ فِيها أَبَداً وَعْدَ اللهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ قِيلاً). فصدق الله العظيم ، الذي بلغ قوله وحديثه في الصدق ، أعلى ما يكون. ولهذا لما كان كلامه صدقا ، وخبره صدقا ـ كان ما يدل عليه ، مطابقة ، وتضمنا ، وملازمة ، كل ذلك مراد من كلامه. وكذلك كلام رسوله صلىاللهعليهوسلم ، لكونه لا يخبر إلا بأمره ولا ينطق إلا عن وحيه.
[١٢٣] أي : (لَيْسَ) الأمر والنجاة والتزكية (بِأَمانِيِّكُمْ وَلا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ). والأماني : أحاديث النفس المجردة عن العمل ، المقترن بها ، دعوى مجردة ، لو عورضت بمثلها ، لكانت من جنسها. وهذا عام في كل أمر. فكيف بأمر الإيمان ، والسعادة الأبدية؟ فإن أماني أهل الكتاب ، قد أخبر الله بها ، أنهم قالوا : (لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ