كانَ هُوداً أَوْ نَصارى تِلْكَ أَمانِيُّهُمْ) وغيرهم ممن ليس ينتسب لكتاب ، ولا رسول ، من باب أولى وأحرى. وكذلك أدخل الله في ذلك من ينتسب إلى الإسلام ، لكمال العدل والإنصاف. فإن مجرد الانتساب إلى أي دين كان ، لا يفيد شيئا ، إن لم يأت الإنسان ببرهان ، على صحة دعواه. فالأعمال تصدق الدعوى ، أو تكذبها ، ولهذا قال تعالى : (مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ) وهذا شامل لجميع العاملين. لأن السوء شامل ، لأي ذنب كان ، من صغائر الذنوب ، وكبائرها. وشامل أيضا ، لكل جزاء ، قليل ، أو كثير ، دنيوي ، أو أخروي. والناس في هذا المقام درجات ، لا يعلمها إلا الله ، فمستقل ومستكثر. فمن كان عمله كله سوءا ، وذلك لا يكون إلا كافرا. فإذا مات من دون توبة ، جوزي بالخلود في العذاب الأليم. ومن كان عمله صالحا ، وهو مستقيم في غالب أحواله ، وإنما يصدر منه أحيانا بعض الذنوب الصغار ، فما يصيبه من الهم ، والغم ، والأذى ، وبعض الآلام ، في بدنه ، أو قلبه ، أو حبيبه ، أو ماله ، ونحو ذلك ـ فإنها مكفرات للذنوب ، لطفا من الله بعباده. وبين هذين الحالين مراتب كثيرة. وهذا الجزاء ، على عمل السوء العام ، مخصوص في غير التائبين. فإن التائب من الذنب ، كمن لا ذنب له ، كما دلت على ذلك النصوص. وقوله : (وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً) لإزالة بعض ما لعله يتوهم ، أن من استحق المجازاة على عمله ، قد يكون له ولي ، أو ناصر ، أو شافع ، يدفع عنه ما استحقه. فأخبر تعالى ، بانتفاء ذلك ، فليس له ولي ، يحصل له المطلوب ، ولا نصير يدفع عنه المرهوب ، إلا ربه ومليكه.
[١٢٤] (وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ) دخل في ذلك ، سائر الأعمال القلبية والبدنية. ودخل أيضا ، كل عامل ، من إنس ، أو جن ، صغير ، أو كبير ، ذكر ، أو أنثى. ولهذا قال : (مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ) وهذا شرط لجميع الأعمال لا تكون صالحة ، ولا تقبل ، ولا يترتب عليها الثواب ، ولا يندفع بها العقاب ، إلا بالإيمان. فالأعمال بدون الإيمان ، كأغصان شجرة ، قطع أصلها ، وكبناء ، بني على موج الماء. فالإيمان ، هو الأصل والأساس ، والقاعدة ، التي يبنى عليها كل شيء. وهذا القيد ، ينبغي التفطن له ، في كل عمل مطلق ، فإنه مقيد به. (فَأُولئِكَ) أي : الّذين جمعوا بين الإيمان والعمل الصالح. (يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ) المشتملة على ما تشتهي الأنفس ، وتلذ الأعين. (وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً) أي : لا قليلا ولا كثيرا ، مما عملوه من الخير. بل يجدونه كاملا موفرا ، مضاعفا أضعافا كثيرة.
[١٢٥] أي : لا أحد أحسن من دين من جمع بين الإخلاص للمعبود ، وهو : إسلام الوجه لله ، الدال على استسلام القلب وتوجهه ، وإنابته ، وإخلاصه وتوجه الوجه وسائر الأعضاء لله. (وَهُوَ) مع هذا الإخلاص والاستسلام (مُحْسِنٌ) أي : متبع لشريعة الله ، التي أرسل الله بها رسله ، وأنزل كتبه ، وجعلها طريقا لخواص خلقه وأتباعهم. (وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ) أي : دينه وشرعه (حَنِيفاً) أي : مائلا عن الشرك إلى التوحيد ، وعن التوجه للخلق ، إلى الإقبال على الخالق. (وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلاً) والخلة أعلى أنواع المحبة. وهذه المرتبة ، حصلت للخليلين ، محمد ، وإبراهيم ، عليهما الصلاة والسّلام. وأما المحبة من الله ، فهي لعموم المؤمنين. وإنما اتخذ الله