إبراهيم خليلا ، لأنه وفّى بما أمر به ، وقام بما ابتلي به. فجعله الله إماما للناس ، واتخذه خليلا ، ونوه بذكره في العالمين.
[١٢٦] وهذه الآية الكريمة ، فيها بيان إحاطة الله تعالى بجميع الأشياء. فأخبر أن له (ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) أي : الجميع ملكه وعبيده. فهم المملوكون ، وهو المالك المتفرد بتدبيرهم. وقد أحاط علمه بجميع المعلومات ، وبصره بجميع المبصرات ، وسمعه بجميع المسموعات ، ونفذت مشيئته وقدرته ، بجميع الموجودات ، ووسعت رحمته أهل الأرض والسموات ، وقهر بعزه وقهره ، كل مخلوق ، ودانت له جميع الأشياء.
[١٢٧] الاستفتاء : طلب السائل من المسئول ، بيان الحكم الشرعي في ذلك المسئول عنه. فأخبر عن المؤمنين ، أنهم يستفتون الرسول صلىاللهعليهوسلم ، في حكم النساء المتعلق بهم فتولى الله هذه الفتوى بنفسه فقال : (قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَ) فاعملوا على ما أفتاكم به ، في جميع شؤون النساء ، من القيام بحقوقهن ، وترك ظلمهن ، عموما وخصوصا. وهذا أمر عام ، يشمل جميع ما شرع الله ، أمرا ، ونهيا ، في حق النساء ، الزوجات وغيرهن ، الصغار والكبار. ثم خص ـ بعد التعميم ـ الوصية بالضعاف ، من اليتامى ، والولدان ، اهتماما بهم ، وزجرا عن التفريط في حقوقهم فقال : (وَما يُتْلى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ فِي يَتامَى النِّساءِ) أي : ويفتيكم أيضا ، بما يتلى عليكم في الكتاب ، في شأن اليتامى من النساء. (اللَّاتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ ما كُتِبَ لَهُنَ). وهذا إخبار عن الحالة الموجودة الواقعة في ذلك الوقت. فإن اليتيمة ، إذا كانت تحت ولاية الرجل ، بخسها حقها ، وظلمها ، إما بأكل مالها الذي لها ، أو بعضه ، أو منعها من التزوج ، لينتفع بمالها ، خوفا من استخراجه من يده ، إن زوجها ، أو يأخذ من صهرها ، الذي تتزوج به ، بشرط أو غيره ، هذا إذا كان راغبا عنها. أو يرغب فيها وهي ذات جمال ومال ، ولا يقسط في مهرها ، بل يعطيها دون ما تستحق. فكل هذا ظلم يدخل تحت هذا النص ، ولهذا قال : (وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَ) أي : ترغبون عن نكاحهن ، أو في نكاحهن كما ذكرنا تمثيله. (وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدانِ) أي : ويفتيكم في المستضعفين من الولدان الصغار ، أن تعطوهم حقهم ، من الميراث ، وغيره ، وأن لا تستولوا على أموالهم ، على وجه الظلم والاستبداد. (وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتامى بِالْقِسْطِ) أي : بالعدل التام. وهذا يشمل القيام عليهم ، بإلزامهم أمر الله ، وما أوجبه على عباده ، فيكون الأولياء ، مكلفين بذلك ، يلزمونهم بما أوجبه الله. ويشمل القيام عليهم ، في مصالحهم الدنيوية ، بتنمية أموالهم ، وطلب الأحظ لهم فيها ، وأن لا يقربوها إلا بالتي هي أحسن. وكذلك لا يحابون فيهم ، صديقا ولا غيره ، في تزوج وغيره ، على وجه الهضم لحقوقهم. وهذا من رحمته تعالى بعباده ، حيث حث غاية الحث ، على القيام بمصالح من لا يقوم بمصلحة نفسه ، لضعفه ، وفقد أبيه. ثم حث على الإحسان عموما ، فقال : (وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ) لليتامى ولغيرهم ، سواء كان الخير متعديا ، أو لازما. (فَإِنَّ اللهَ كانَ بِهِ عَلِيماً) أي : قد أحاط علمه بعمل العاملين للخير ، قلة وكثرة ، حسنا وضده ، فيجازي كلا بحسب عمله.
[١٢٨] أي : إذا خافت المرأة نشوز زوجها ، أي ترفعه عنها ، وعدم رغبته فيها ، وإعراضه عنها ، فالأحسن في هذه الحالة ، أن يصلحا بينهما صلحا ، بأن تسمح المرأة عن بعض حقوقها التلازمة لزوجها ، على وجه تبقى مع زوجها. إما أن ترضى بأقل من الواجب لها من النفقة ، أو الكسوة ، أو المسكن ، أو القسم ، بأن تسقط حقها منه. أو تهب يومها وليلتها ، لزوجها ، أو لضرتها. فإذا اتفقا على هذه الحالة ، فلا جناح ولا بأس عليهما فيها ، لا عليها ، ولا على الزوج. فيجوز حينئذ لزوجها ، البقاء معها على هذه الحال ، وهي خير من الفرقة. ولهذا قال : (وَالصُّلْحُ خَيْرٌ). ويؤخذ من عموم هذا اللفظ والمعنى ، أن الصلح بين من بينهما حق أو منازعة في جميع الأشياء ، أنه خير من استقصاء كل منهما على كل حقه ، لما فيه من الإصلاح ، وبقاء الألفة ، والاتصاف بصفة السماح. وهو جائز في جميع الأشياء ، إلا إذا أحل حراما ، أو حرّم حلالا ، فإنه لا يكون صلحا ، وإنما يكون جورا. واعلم أن كل حكم من