فقوموا به ، شكرا لربكم ، واحمدوا الذي منّ عليكم ، بأفضل الأديان وأشرفها وأكملها. (فَمَنِ اضْطُرَّ) أي : ألجأته الضرورة إلى أكل شيء من المحرمات السابقة ، في قوله : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ فِي مَخْمَصَةٍ) أي : مجاعة (غَيْرَ مُتَجانِفٍ) أي : مائل (لِإِثْمٍ) بأن لا يأكل حتى يضطر ، ولا يزيد في الأكل على كفايته. (فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) حيث أباح له الأكل في هذه الحال. ورحمه ، بما يقيم به بنيته ، من غير نقص يلحقه في دينه.
[٤] يقول تعالى لنبيه محمد صلىاللهعليهوسلم : (يَسْئَلُونَكَ ما ذا أُحِلَّ لَهُمْ) من الأطعمة؟ (قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ) وهي كل ما فيه نفع أو لذة ، من غير ضرر بالبدن ، ولا بالعقل. فدخل في ذلك ، جميع الحبوب ، والثمار ، التي في القرى والبراري. ودخل في ذلك ، جميع حيوانات البر ، إلا ما استثناه الشارع ، كالسباع ، والخبائث منها. ولهذا دلت الآية بمفهومها ، على تحريم الخبائث ، كما صرح به في قوله تعالى : (وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ). (وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ) أي : أحل لكم ما علمتم من الجوارح إلى آخر الآية. دلت هذه الآية على أمور : أحدها : لطف الله بعباده ، ورحمته لهم ، حيث وسع عليهم طرق الحلال ، وأباح لهم ، ما لم يذكوه ، مما صادته الجوارح. والمراد بالجوارح : الكلاب ، والفهود ، والصقر ، ونحو ذلك ، مما يصيد بنابه ، أو بمخلبه. الثاني : أنه يشترط ، أن تكون معلمة ، بما يعد في العرف تعليما ، بأن يسترسل ، إذا أرسل ، وينزجر إذا زجر ، وإذا أمسك ، لم يأكل ، ولهذا قال : (تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ) أي : أمسكن من الصيد لأجلكم. وما أكل منه الجارح فإنه لا يعلم أنه أمسكه على صاحبه ، ولعله أن يكون أمسكه على نفسه. الثالث : اشتراط أن يجرحه الكلب ، أو الطير ونحوهما ، لقوله : (مِنَ الْجَوارِحِ) مع ما تقدم من تحريم المنخنقة. فلو خنقه الكلب أو غيره ، أو قتله بثقله ، لم يبح. هذا بناء على أن الجوارح اللاتي يجرحن الصيد ، بأنيابها ، أو مخالبها. والمشهور أن الجوارح ، بمعنى الكواسب أي : المحصلات للصيد ، والمدركات له. فلا يكون فيها ـ على هذا ـ دلالة. والله أعلم. الرابع : جواز اقتناء كلب الصيد ، كما ورد في الحديث الصحيح ، مع أن اقتناء الكلب محرم لأن من لازم إباحة صيده وتعليمه ، جواز اقتنائه. الخامس : طهارة ما أصابه فم الكلب ، من الصيد ، لأن الله أباحه ، ولم يذكر له غسلا ، فدل على طهارته. السادس : فيه فضيلة العلم ، وأن الجارح المعلم ـ بسبب العلم ـ يباح صيده ، والجاهل بالتعليم ، لا يباح صيده. السابع : أن الاشتغال بتعليم الكلب أو الطير أو نحوهما ، ليس مذموما ، وليس من العبث والباطل. بل هو أمر مقصود ، لأنه وسيلة لحل صيده ، والانتفاع به. الثامن : فيه حجة لمن أباح بيع كلب الصيد ، قال : لأنه قد لا يحصل له إلا بذلك. التاسع : فيه اشتراط التسمية عند إرسال الجارح ، وأنه إن لم يسم الله متعمدا ، لم يبح ما قتل الجارح. العاشر : أنه يجوز أكل ما صاده الجارح ، سواء قتله الجارح ، أم لا. وأنه إن أدركه صاحبه ، وفيه حياة مستقرة ، فإنه لا يباح إلا بها. ثم حث تعالى على تقواه ، وحذر من إتيان الحساب في يوم القيامة ، وأن ذلك أمر قد دنا ، واقترب فقال : (وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ).
[٥] كرر تعالى إحلال الطيبات ، لبيان الامتنان ، ودعوة للعباد إلى شكره والإكثار من ذكره ، حيث أباح لهم ما