تدعوهم الحاجة إليه ، ويحصل لهم الانتفاع به من الطيبات. (وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ) أي : ذبائح اليهود والنصارى ، حلال لكم ـ يا معشر المسلمين ـ دون باقي الكفار ، فإن ذبائحهم لا تحل للمسلمين. وذلك لأن أهل الكتاب ، ينتسبون إلى الأنبياء والكتب. وقد اتفق الرسل كلهم ، على تحريم الذبح لغير الله ، لأنه شرك. فاليهود والنصارى ، يتدينون بتحريم الذبح لغير الله ، فلذلك أبيحت ذبائحهم ، دون غيرهم. والدليل على أن المراد بطعامهم ذبائحهم ، أن الطعام الذي ليس من الذبائح ، كالحبوب ، والثمار ، ليس لأهل الكتاب فيه خصوصية ، بل يباح ذلك ، ولو كان من طعام غيرهم. وأيضا ، فإنه أضاف الطعام إليهم. فدل ذلك ، على أنه كان طعاما ، بسبب ذبحهم. ولا يقال : إن ذلك للتمليك ، وأن المراد : الطعام الذي يملكون. لأن هذا ، لا يباح على وجه الغصب ، ولا من المسلمين. (وَطَعامُكُمْ) أيها المسلمون (حِلٌّ لَهُمْ) أي : يحل لكم أن تطعموهم إياه. (وَ) أحل لكم (الْمُحْصَناتُ) أي : الحرائر العفيفات (مِنَ الْمُؤْمِناتِ) والحرائر العفيفات (مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ) أي : من اليهود والنصارى. وهذا مخصص لقوله تعالى : (وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَ). ومفهوم الآية ، أن الأرقاء من المؤمنات ، لا يباح نكاحهن للأحرار ، وهو كذلك. وأما الكتابيات ، فعلى كل حال ، لا يبحن ، ولا يجوز نكاحهن للأحرار مطلقا ، لقوله تعالى : (مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ). وأما المسلمات ـ إذا كن رقيقات ـ فإنه لا يجوز للأحرار نكاحهن إلا بشرطين ، عدم الطول ، وخوف العنت. وأما الفاجرات ، غير العفيفات عن الزنا ، فلا يباح نكاحهن ، سواء كن مسلمات ، أو كتابيات ، حتى يتبن لقوله تعالى : (الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً) الآية. وقوله : (إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَ) أي : أبحنا لكم نكاحهن ، إذا أعطيتموهن مهورهن. فمن عزم على أن لا يؤتيها مهرها ، فإنها لا تحل له. وأمر بإيتائها ، إذا كانت رشيدة ، تصلح للإيتاء ، وإلا أعطاه الزوج لوليها. وإضافة الأجور إليهن ، دليل على أن المرأة ، تملك جميع مهرها ، وليس لأحد منه شيء ، إلا ما سمحت به لزوجها ، أو وليها أو غيرهما. (مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ) أي : زانين مع كل أحد (وَلا مُتَّخِذِي أَخْدانٍ). وهو : الزنا مع العشيقات لأن الزنا في الجاهلية ، منهم من يزني مع من كان ، فهذا هو المسافح. ومنهم من يزني مع خدنه ومحبه. فأخبر الله تعالى أن ذلك كله ، ينافي العفة. وأن شروط التزوج ، أن يكون الرجل عفيفا عن الزنا. وقوله تعالى : (وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ) أي : ومن كفر بالله تعالى ، وما يجب الإيمان به ، من كتبه ورسله ، أو شيء من الشرائع ، فقد حبط عمله ، بشرط أن يموت على كفره كما قال تعالى : (وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ) أي : الذين خسروا أنفسهم ، وأموالهم ، وأهليهم يوم القيامة وحصلوا على الشقاوة الأبدية.
[٦] وهذه آية عظيمة ، قد اشتملت على أحكام كثيرة ، نذكر منها ، ما يسره الله وسهله. أحدها : أن هذه المذكورات فيها امتثالها ، والعمل بها من لوازم الإيمان ، الذي لا يتم إلا به ، لأنه صدرها بقوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ