تكون الدائرة لليهود والنصارى فإذا كانت الدائرة لهم ، فإذا لنا معهم يد يكافئوننا عنها ، وهذا سوء ظن منهم بالإسلام. قال تعالى ـ رادا لظنهم السيّء ـ : (فَعَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ) الذي يعز الله به الإسلام ، على اليهود والنصارى ، ويقهرهم المسلمون (أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ) ييأس به المنافقون من ظفر الكافرين ، من اليهود وغيرهم. (فَيُصْبِحُوا عَلى ما أَسَرُّوا) أي : أضمروا (فِي أَنْفُسِهِمْ نادِمِينَ) على ما كان منهم وضرهم ، بلا نفع حصل لهم. فحصل الفتح الذي نصر الله به الإسلام والمسلمين ، وأذل به الكفر والكافرين. فندموا وحصل لهم من الغم ، ما الله به عليم.
[٥٣] (وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا) متعجبين من حال هؤلاء الذين في قلوبهم مرض : (أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ) أي : حلفوا وأكدوا حلفهم ، وغلظوه بأنواع التأكيدات : إنهم لمعكم في الإيمان ، وما يلزمه من النصرة ، والمحبة ، والموالاة. ظهر ما أضمروه ، وتبين ما أسروه ، وصار كيدهم الذي كادوه ، وظنهم الذي ظنوه بالإسلام وأهله ـ باطلا. وبطل كيدهم (حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ) في الدنيا (فَأَصْبَحُوا خاسِرِينَ) حيث فاتهم مقصودهم ، وحضرهم الشقاء والعذاب.
[٥٤] يخبر تعالى أنه الغني عن العالمين ، وأنه من يرتد عن دينه ، فلن يضر الله شيئا ، وإنما يضر نفسه. وأن لله ، عبادا مخلصين ، ورجالا صادقين ، قد تكفل الرحمن الرحيم بهدايتهم ، ووعد بالإتيان بهم ، وأنهم أكمل الخلق أوصافا ، وأقواهم نفوسا ، وأحسنهم أخلاقا. أجل صفاتهم أن الله (يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ). فإن محبة الله للعبد ، هي أجل نعمة أنعم بها عليه ، وأفضل فضيلة ، تفضل الله بها عليه. وإذا أحب الله عبدا ، يسر له الأسباب ، وهون عليه كل عسير ، ووفقه لفعل الخيرات ، وترك المنكرات ، وأقبل بقلوب عباده إليه ، بالمحبة والوداد. ومن لوازم محبة العبد لربه ، أنه لا بد أن يتصف بمتابعة الرسول صلىاللهعليهوسلم ، ظاهرا وباطنا ، في أقواله وأعماله ، وجميع أحواله. كما قال تعالى : (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ). كما أن من لوازم محبة الله للعبد ، أن يكثر العبد من التقرب إلى الله ، بالفرائض والنوافل ، كما قال النبي صلىاللهعليهوسلم في الحديث الصحيح عن الله : «وما تقرب إليّ عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضت عليه ، ولا يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها ، ولئن سألني لأعطينه ، ولئن استعاذني لأعيذنه». ومن لوازم محبة الله ، معرفته تعالى ، والإكثار من ذكره. فإن المحبة بدون معرفة بالله ناقصة جدا ، بل غير موجودة ، وإن وجدت دعواها. ومن أحب الله أكثر من ذكره. وإذا أحب الله عبدا ، قبل منه اليسير من العمل ، وغفر له الكثير من الزلل. ومن صفاتهم أنهم (أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ). فهم للمؤمنين أذلة ، من محبتهم لهم ، ونصحهم لهم ، ولينهم ، ورفقهم ، ورأفتهم ، ورحمتهم بهم وسهولة جانبهم ، وقرب الشيء الذي يطلب منهم. وعلى الكافرين بالله ، المعاندين لآياته ، المكذبين لرسله ـ أعزة قد اجتمعت هممهم وعزائمهم ، على معاداتهم ، وبذلوا جهدهم في كل سبب يحصل به الانتصار عليهم. قال تعالى : (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ