المقربون ، ولا الأنبياء المرسلون ولا غيرهم ، له حق ولا استحقاق لمقام الإلهية. وإنّما الجميع عباد ، مدبرون ، وخلق مسخرون ، وفقراء عاجزون. (إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ) فأنت أعلم بما صدر مني. (إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ) وهذا من كمال أدب المسيح عليه الصلاة والسّلام ، في خطابه لربه. فلم يقل عليهالسلام : «لم أقل شيئا من ذلك». وإنّما أخبر بكلام ينفي عن نفسه ، أن يقول كل مقالة تنافي منصبه الشريف ، وأن هذا من الأمور المحالة. ونزه ربه عن ذلك أتم تنزيه ، ورد العلم إلى عالم الغيب والشهادة.
[١١٧] ثمّ صرّح بذكر ما أمر به بني إسرائيل فقال : (ما قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ) فأنا عبد متبع لأمرك ، لا متجرىء على عظمتك. (أَنِ اعْبُدُوا اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ) أي : ما أمرتهم إلا بعبادة الله وحده ، وإخلاص الدين له ، المتضمن للنهي ، عن اتخاذي وأمي إلهين ، من دون الله ، وبيان أني عبد مربوب ، فكما أنه ربكم فهو ربي. (وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ) أشهد على من قام بهذا الأمر ، ممن لم يقم به. (فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ) أي : المطلع على سرائرهم وضمائرهم. (وَأَنْتَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) علما وسمعا وبصرا. فعلمك قد أحاط بالمعلومات ، وسمعك بالمسموعات ، وبصرك بالمبصرات ، فأنت الذي تجازي عبادك ، بما تعلمه فيهم من خير وشر.
[١١٨] (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ) وأنت أرحم بهم من أنفسهم ، وأعلم بأحوالهم ، فلو لا أنهم عباد متمردون ، لم تعذبهم. (وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) أي : فمغفرتك صادرة عن تمام عزة وقدرة ، لا كمن يغفر ويعوف ، عن عجز وعدم قدرة. الحكيم حيث كان من مقتضى حكمتك ، أن تغفر لمن أتى بأسباب المغفرة.
[١١٩] (قالَ اللهُ) مبينا لحال عباده يوم القيامة ، ومن الفائز منهم ، ومن الهالك ، من الشقي ، ومن السعيد. (هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ) والصادقون هم الّذين استقامت أعمالهم وأقوالهم ، ونياتهم ، على الصراط المستقيم ، والهدى القويم. فيوم القيامة يجدون ثمرة ذلك الصدق ، إذا أحلهم الله في مقعد صدق ، عن مليك مقتدر. ولهذا قال : (لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ). والكاذبون بضدهم ، سيجدون ضرر كذبهم وافترائهم ، وثمرة أعمالهم الفاسدة.
[١٢٠] (لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما فِيهِنَ) لأنه الخالق لهما والمدبر لذلك بحكمه القدري ، وحكمه الشرعي ، وحكمه الجزائي ، ولهذا قال : (وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) فلا يعجزه شيء ، بل جميع الأشياء منقادة لمشيئته ، ومسخرة بأمره.