الجميلة ، لأنها صادرة من الرب ، الذي ربى خلقه ، بصنوف نعمه الظاهرة والباطنة ، التي من أفضلها وأجلّها ، تبيين الآيات ، وتوضيح المشكلات. (فَمَنْ أَبْصَرَ) بتلك الآيات ، مواقع العبرة ، وعمل بمقتضاها (فَلِنَفْسِهِ) فإن الله هو الغني الحميد. (وَمَنْ عَمِيَ) بأن بصر ، فلم يتبصر ، وزجر ، فلم ينزجر ، وبيّن له الحق ، فما انقاد له ولا تواضع ، فإنما مضرة عماه عليه. (وَما أَنَا) أيها الرسول (عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ) أحفظ أعمالكم وأرقبها على الدوام ، إنما عليّ البلاغ المبين ، وقد أديته ، وبلغت ما أنزل الله إليّ ، فهذه وظيفتي ، وما عدا ذلك ، فلست موظفا فيه.
[١٠٥] قوله تعالى : (وَكَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ) الكاف في موضع نصب صفة للمصدر المحذوف ، أي : نصرّف الآيات تصريفا ، مثل ما تلونا عليك. والتصريف معناه : التنويع. والمراد : أن الله تعالى ، ينوع الآيات الدالة على المعاني الرائعة ، الكاشفة عن الحقائق الفائقة ، لا تصريفا أدنى منه ، بل تصريفا بلغ في الروعة مبلغا ارتقى عن إدراك المخلوقين. قوله تعالى : (وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ) جوابه محذوف ، تقديره «ونحن نصرفها» أو نفعل ما نفعل من التصريف المذكور (معنى درست : تعلمت). وقرأت كتب أهل الكتاب أي : قدمت هذه الآية ومضت. كما قالوا : أساطير الأولين ، تلقاها ممن مضوا من أهل الكتاب من الأمم السابقة. (وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ) علة لفعل قد حذف ، تعويلا على دلالة السياق عليه. أي ، وليقولوا : درست نفعل ما نفعل ، من التصريف المذكور. واللام للعاقبة والصيرورة ، والواو اعتراضية. أي : لتصير عاقبة أمرهم إلى أن يقولوا درست وهو كقوله تعالى : (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً) وهم لم يلتقطوه للعداوة وإنما التقطوه ، ليصير لهم قرة عين ، ولكن صارت عاقبة أمرهم إلى العداوة. وكذلك الآيات ، صرفت للتبيين ، ولم تصرف ليقولوا : درست. ولكن حصل هذا القول بتصريف الآيات كما حصل التبيين ، فشبه به. وقوله تعالى : (وَلِنُبَيِّنَهُ) أي : القرآن ، وإن لم يجر له ذكر ، لكونه معلوما ، أو الآيات ، لأنها في معنى القرآن. (لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) الحق من الباطل. ومجمل معنى الآية : ومثل هذا التنويع البديع في عرض الدلائل الكونية ، نعرض آياتنا في القرآن منوعة مفصلة ، لنقيم الحجة بها على الجاحدين ، فلا يجدوا الاختلاق والكذب ، فيتهموك بأنك تعلمت من الناس ، لا من الله ، ولنبين ما أنزل إليك من الحقائق ، من غير تأثر بهوى ، لقوم يدركون الحق ، ويذعنون له.
[١٠٦] اتبع ـ أيها النبي ـ ما جاءك به الوحي من الله ، مالك أمرك ، ومدبر شؤونك ، إنه ـ وحده ـ الإله المستحق للطاعة والخضوع ، فالتزم طاعته ، ولا تبال بعناد المشركين ، ولا تحتفل بهم ، وبأقاويلهم الباطلة.
[١٠٧] قوله تعالى : (وَلَوْ شاءَ اللهُ) أي : إيمانهم فالمفعول به محذوف (ما أَشْرَكُوا) بين أنهم لا يشركون على خلاف مشيئة الله ولو علم منهم اختيار الإيمان لهداهم إليه ولكن علم منهم اختيار الشرك فأشركوا بمشيئته. قوله تعالى : (وَما جَعَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً) أي : رقيبا مهيمنا من قبلنا مراعيا لأعمالهم مأخوذا بإجرامهم وكذلك قوله : (وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ) من جهتهم ولا بمسلط تقوم بتدبير أمورهم وترعى مصالحهم. والمعنى الإجمالي للآية : ولو أراد الله أن يعبدوه وحده ، لقهرهم على ذلك ، بقوته وقدرته ، لكنه تركهم لاختيارهم. وما جعلناك رقيبا ، تحصي عليهم أعمالهم ، وما أنت بمكلف ، بأن تقوم عنهم ، بتدبير شؤونهم ، وإصلاح أمرهم.
[١٠٨] ينهى الله المؤمنين ، عن أمر كان جائزا ، بل مشروعا في الأصل ، وهو سب آلهة المشركين ، التي اتخذت أوثانا وآلهة مع الله ، التي يتقرب إلى الله بإهانتها وسبها. ولكن لما كان هذا السب ، طريقا إلى سب المشركين لرب العالمين ، الذي يجب تنزيه جنابه العظيم ، عن كل غيب ، وآفة ، وسب ، وقدح ـ نهى الله عن سب آلهة المشركين ، لأنهم يتحمسون لدينهم ، ويتعصبون له. لأن كل أمة ، زيّن الله لهم عملهم ، فرأوه حسنا ، وذبوا عنه ، ودافعوا بكل طريق. حتى إنهم ، يسبون الله ، رب العالمين ، الذي رسخت عظمته في قلوب الأبرار والفجار ، إذا سب المسلمون آلهتهم. ولكن الخلق كلهم ، مرجعهم ومآلهم ، إلى الله يوم القيامة ، يعرضون عليه ، وتعرض أعمالهم ، فينبئهم بما