كانوا يعملون ، من خير وشر. وفي هذه الآية الكريمة ، دليل للقاعدة الشرعية وهي أن الوسائل تعتبر بالأمور التي توصل إليها ، وأن وسائل المحرم ، ولو كانت جائزة ، تكون محرمة ، إذا كانت تفضي إلى الشر.
[١٠٩] أي وأقسم المشركون المكذبون للرسول محمد صلىاللهعليهوسلم. (بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ) أي : قسما اجتهدوا فيه ، وأكدوه. (لَئِنْ جاءَتْهُمْ آيَةٌ) تدل على صدق محمد صلىاللهعليهوسلم (لَيُؤْمِنُنَّ بِها). وهذا الكلام الذي صدر منهم ، لم يكن قصدهم فيه ، الرشاد. وإنّما قصدهم ، رفع الاعتراض ، ورد ما جاء به الرسل قطعا. فإن الله أيد رسوله صلىاللهعليهوسلم ، بالآيات البينات ، والأدلة الواضحات التي ـ عند الالتفات إليها ـ لا تبقى أدنى شبهة ولا إشكال في صحة ما جاء به. فطلبهم ـ بعد ذلك ـ للآيات ، من باب التعنت ، الذي لا يلزم إجابته ، بل قد يكون المنع من إجابتهم أصلح لهم. فإن الله ، جرت سنته في عباده ، أن المقترحين للآيات على رسلهم ، إذا جاءتهم ، فلم يؤمنوا بها ـ أنه يعاجلهم بالعقوبة ، ولهذا قال : (قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللهِ) أي : هو الذي يرسلها إذا شاء ، ويمنعها إذا شاء ، ليس لي من الأمر شيء. فطلبكم مني الآيات ، ظلم ، وطلب لما لا أملك ، وإنّما توجهون إلى توضيح ما جئتكم به ، وتصديقه ، وقد حصل. ومع ذلك ، فليس معلوما ، أنهم إذا جاءتهم الآيات ، يؤمنون ويصدقون ، بل الغالب ، ممن هذه حاله ، أنه لا يؤمن ، ولهذا قال : (وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ).
[١١٠] (وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصارَهُمْ كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ) (١١٠) أي : ونعاقبهم ، إذا لم يؤمنوا أول مرة يأتيهم فيها الداعي ، وتقوم عليهم الحجة ، بتقليب القلوب ، والحيلولة بينهم وبين الإيمان ، وعدم التوفيق لسلوك الصراط المستقيم. وهذا من عدل الله ، وحكمته بعباده ، فإنهم الّذين جنوا على أنفسهم ، وفتح لهم الباب ، فلم يدخلوا ، وبيّن لهم الطريق ، فلم يسلكوا. فبعد ذلك إذا حرموا التوفيق ، كان مناسبا لأحوالهم.
[١١١] وكذلك تعليقهم الإيمان بإرادتهم ، ومشيئتهم وحدهم ، وعدم الاعتماد على الله من أكبر الغلط. فإنهم لو جاءتهم الآيات العظيمة ، من تنزيل الملائكة إليهم ، يشهدون للرسول بالرسالة ، وتكليم الموتى ، وبعثهم بعد موتهم ، (وَحَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ) حتى يكلمهم (قُبُلاً) ومشاهدة ، ومباشرة ، بصدق ما جاء به الرسول ما حصل لهم الإيمان ، إذا لم يشأ الله إيمانهم ، ولكن أكثرهم يجهلون. فلذلك رتبوا إيمانهم ، على مجرد إتيان الآيات. وإنّما العقل والعلم ، أن يكون العبد مقصوده ، اتباع الحقّ ، ويطلبه بالطرق التي بينها الله ، ويعمل بذلك ، ويستعين ربه في اتباعه ، ولا يتكل على نفسه ، وحوله وقوته ، ولا يطلب من الآيات الاقتراحية ، ما لا فائدة فيها.
[١١٢] يقول تعالى ـ مسليا الرسول صلىاللهعليهوسلم ـ وكما جعلنا لك أعداء يردون دعوتك ، ويحاربونك ، ويحسدونك ، فهذه سنتنا ، أن نجعل لكل نبي نرسله إلى الخلق ، أعداء ، من شياطين الإنس والجن ، يقومون بضد ما جاءت به الرسل. (يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً) أي : يزين بعضهم لبعض ، الأمر الذي يدعون إليه ، من الباطل ، ويزخرفون له العبارات ، حتى يجعلوه في أحسن صورة ، ليغتر به السفهاء ، وينقاد له الأغبياء ، الّذين لا