[١١٦] يقول تعالى ، لنبيه محمد صلىاللهعليهوسلم ، محذرا عن طاعة أكثر الناس : (وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) فإن أكثرهم قد انحرفوا في أديانهم ، وأعمالهم ، وعلومهم. فأديانهم فاسدة ، وأعمالهم تبع لأهوائهم ، وعلومهم ليس فيها تحقيق ، ولا إيصال لسواء الطريق. بل غايتهم أنهم يتبعون الظن ، الذي لا يغني من الحقّ شيئا ويتخرصون في القول على الله ، ما لا يعلمون. ومن كان بهذه المثابة ، فحري أن يحذر الله منه عباده ، ويصف لهم أحوالهم ؛ لأن هذا ـ وإن كان خطابا للنبي صلىاللهعليهوسلم ـ فإن أمته تبع له ، في سائر الأحكام ، التي ليست من خصائصه.
[١١٧] والله تعالى أصدق قيلا ، وأصدق حديثا ، و (هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ) وأعلم بمن يهتدي ويهدي. فيجب عليكم ـ أيها المؤمنون ـ أن تتبعوا نصائحه وأوامره ونواهيه لأنه أعلم بمصالحكم ، وأرحم بكم من أنفسكم. ودلت هذه الآية ، على أنه لا يستدل على الحقّ ، بكثرة أهله ، ولا تدل قلة السالكين لأمر من الأمور ، أن يكون غير حق. بل الواقع بخلاف ذلك ، فإن أهل الحقّ ، هم الأقلون عددا ، الأعظمون ـ عند الله ـ قدرا وأجرا. بل الواجب أن يستدل على الحقّ والباطل ، بالطرق الموصلة إليه.
[١١٨] يأمر تعالى ، عباده المؤمنين ، بمقتضى الإيمان ، وأنهم ، إن كانوا مؤمنين ، فليأكلوا مما ذكر اسم الله عليه ، من بهيمة الأنعام ، وغيرها ، من الحيوانات المحللة ، ويعتقدوا حلها ، ولا يفعلوا كما يفعله أهل الجاهلية ، من تحريم كثير من الحلال ، ابتداعا من عند أنفسهم ، وإضلالا من شياطينهم. فذكر الله ، أن علامة المؤمن ، مخالفة أهل الجاهلية ، في هذه العادة الذميمة ، المتضمنة لتغيير شرع الله ، وأنه ، أي شيء يمنعهم من أكل ما ذكر اسم الله عليه ، وقد فصّل الله لعباده ما حرّم عليهم ، وبينه ووضحه؟ فلم يبق فيه إشكال ولا شبهة ، توجب أن يمتنع من أكل بعض الحلال ، خوفا من الوقوع في الحرام. ودلت الآية الكريمة ، على أن الأصل في الأشياء والأطعمة ، الإباحة. وأنه ، إذا لم يرد الشرع بتحريم شيء منها ، فإنه باق على الإباحة. فما سكت الله عنه ، فهو حلال ، لأن الحرام قد فصّله الله ، فما لم يفصله الله ، فليس بحرام.
[١١٩] ومع ذلك ، فالحرام الذي قد فصّله الله وأوضحه ، قد أباحه عند الضرورة والمخمصة ، كما قال تعالى :
(حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ) إلى أن قال : (فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ). ثمّ حذّر عن كثير من الناس ، فقال : (وَإِنَّ كَثِيراً لَيُضِلُّونَ بِأَهْوائِهِمْ) أي : بمجرد ما تهوى أنفسهم (بِغَيْرِ عِلْمٍ) ولا حجة. فليحذر العبد من أمثال هؤلاء ، وعلامتهم ـ كما وصفهم الله لعباده ـ أن دعوتهم ، غير مبنية على برهان ، ولا لهم حجة شرعية. وإنّما يوجد لهم شبه ، بحسب أهوائهم الفاسدة ، وآرائهم القاصرة. فهؤلاء ، معتدون على شرع الله ، وعلى عباد الله ، والله لا يحب المعتدين. بخلاف الهادين المهتدين ، فإنهم يدعون إلى الحقّ والهدى ، ويؤيدون دعوتهم بالحجج العقلية والنقلية ، ولا يتبعون في دعوتهم إلا رضا ربهم ، والقرب منه.
[١٢٠] المراد بالإثم : جميع المعاصي ، التي تؤثم العبد ، أي : توقعه في الإثم ، والحرج ، من الأشياء المتعلقة بحقوق الله ، وحقوق عباده. فنهى الله عباده ، عن اقتراف الإثم الظاهر والباطن. أي : السر والعلانية ، المتعلقة بالبدن والجوارح ، والمتعلقة بالقلب. ولا يتم للعبد ، ترك المعاصي الظاهرة والباطنة ، إلا بعد معرفتها ، والبحث عنها. فيكون البحث عنها ، ومعرفة معاصي القلب ، والبدن ، والعلم بذلك ، واجبا متعينا على المكلف. وكثير من الناس ، يخفى عليه كثير من المعاصي ، خصوصا ، معاصي القلب ، كالكبر ، والعجب ، والرياء ، ونحو ذلك. حتى إنه يكون به كثير منها ، وهو لا يحس به ولا يشعر ، وهذا من الإعراض عن العلم ، وعدم البصيرة. ثمّ أخبر تعالى ، أن الّذين يكسبون الإثم الظاهر والباطن ، سيجزون على حسب كسبهم ، وعلى قدر ذنوبهم ، قلّت أو كثرت. وهذا الجزاء يكون في الآخرة. وقد يكون في الدنيا ، يعاقب العبد ، فيخفف عنه بذلك ، من سيئاته.
[١٢١] ويدخل تحت هذا المنهي عنه ، ما ذكر عليه اسم غير الله ، كالذي يذبح للأصنام ، وآلهة المشركين. فإن