هذا ، مما أهّل لغير الله به ، المحرم بالنص عليه خصوصا. ويدخل في ذلك ، متروك التسمية ، مما ذبح لله ، كالضحايا ، والهدايا ، أو للحم والأكل ، إذا كان الذابح متعمدا ترك التسمية ، عند كثير من العلماء. ويخرج من هذا العموم ، الناسي بالنصوص الأخر ، الدالة على دفع الحرج عنه. ويدخل في هذه الآية ، ما مات بغير ذكاة من الميتات ، فإنها مما لم يذكر اسم الله عليه. ونص الله عليها بخصوصها ، في قوله : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ) ولعلها سبب نزول الآية ، لقوله : (وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ) بغير علم. فإن المشركين ـ حين سمعوا تحريم الله ورسوله الميتة ، وتحليله للمذكاة ، وكانوا يستحلون أكل الميتة ـ قالوا ـ معاندة لله ورسوله ، ومجادلة بغير حجة ولا برهان ـ أتأكلون ما قتلتم ، ولا تأكلون ما قتل الله؟ يعنون بذلك : الميتة. وهذا رأي فاسد ، لا يستند على حجة ولا دليل بل يستند إلى آرائهم الفاسدة التي لو كان الحقّ تبعا لها ، لفسدت السموات والأرض ، ومن فيهن. فتبا لمن قدم هذه العقول ، على شرع الله وأحكامه ، الموافقة للمصالح العامة ، والمنافع الخاصة. ولا يستغرب هذا منهم ، فإن هذه الآراء وأشباهها ، صادرة عن وحي أوليائهم من الشياطين ، الّذين يريدون أن يضلوا الخلق عن دينهم ، ويدعوهم ليكونوا من أصحاب السعير. (وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ) في شركهم ، وتحليلهم الحرام ، وتحريمهم الحلال (إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ) لأنكم اتخذتموهم أولياء من دون الله ، ووافقتموهم على ما به فارقوا المسلمين ، فلذلك كان طريقكم ، طريقهم. ودلت هذه الآية الكريمة ، على أن ما يقع في القلوب ، من الإلهامات ، والكشوف ، التي يكثر وقوعها عند الصوفية ونحوهم ، لا تدل ـ بمجردها على أنها حق ، ولا تصدق حتى تعرض على كتاب الله وسنّة رسوله. فإن شهدا لها بالقبول ، قبلت ، وإن ناقضتهما ، ردت ، وإن لم يعلم شيء من ذلك ، توقف فيها ، ولم تصدق ، ولم تكذب. لأن الوحي والإلهام ، يكون من الشيطان ، فلا بد من التمييز بينهما والفرقان. وبعدم التفريق بين الأمرين ، حصل من الغلط والضلال ، ما لا يحصيه إلا الله.
[١٢٢ ـ ١٢٣] يقول تعالى : (أَوَمَنْ كانَ) من قبل هداية الله له (مَيْتاً) في ظلمات الكفر ، والجهل ، والمعاصي. (فَأَحْيَيْناهُ) بنور العلم والإيمان والطاعة ، فصار يمشي بين الناس في النور ، متبصرا في أموره ، مهتديا لسبيله ، عارفا للخير ، مؤثرا له ، مجتهدا في تنفيذه في نفسه وغيره ، عارفا بالشر ، مبغضا له ، مجتهدا في تركه وإزالته عن نفسه وعن غيره. فيستوي هذا بمن هو في الظلمات ، ظلمات الجهل والغي ، والكفر والمعاصي. (لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها) قد التبست عليه الطرق ، وأظلمت عليه المسالك ، فحضره الهم والغم والحزن والشقاء. فنبه تعالى ، العقول بما تدركه وتعرفه ، أنه لا يستوي هذا ولا هذا كما لا يستوي الليل والنهار ، والضياء والظلمة ، والأحياء والأموات. فكأنه قيل : فكيف يؤثر من له أدنى مسكة من عقل ، أن يكون بهذه الحالة ، وأن يبقى في الظلمات متحيرا : فأجاب بأنه (زُيِّنَ لِلْكافِرِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) فلم يزل الشيطان يحسن لهم أعمالهم ، ويزينها في قلوبهم ، حتى استحسنوها ، ورأوها حقا. وصار ذلك عقيدة في قلوبهم ، وصفة راسخة ملازمة لهم. فلذلك رضوا بما هم عليه