أمورهم ، وأعانهم على طاعته ، ويسر لهم كل سبب موصل إلى محبته. وإنما تولاهم ، بسبب أعمالهم الصالحة ، ومقدماتهم التي قصدوا بها رضا مولاهم. بخلاف من أعرض عن مولاه ، واتبع هواه. فإنه سلّط عليه الشيطان فتولاه ، فأفسد عليه دينه ودنياه.
[١٢٨] يقول تعالى : (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً) أي : جميع الثقلين ، من الإنس والجن ، من ضل منهم ، ومن أضل غيره. فيقول موبخا للجن ، الذين أضلوا الإنس ، وزينوا لهم الشر ، وأزّوهم إلى المعاصي : (يا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ) أي : من إضلالهم ، وصدهم عن سبيل الله. فكيف أقدمتم على محارمي ، وتجرأتم على معاندة رسلي؟ وقمتم محاربين لله ، ساعين في صد عباد الله عن سبيله ، إلى سبيل الجحيم؟ فاليوم حقت عليكم لعنتي ، ووجبت لكم نقمتي. وسنزيدكم من العذاب بحسب كفركم ، وإضلالكم لغيركم. وليس لكم عذر به تعتذرون ، ولا ملجأ إليه تلجأون ، ولا شافع يشفع ولا دعاء يسمع. فلا تسأل حينئذ ، عمّا يحل بهم من النكال ، والخزي والوبال ، ولهذا لم يذكر الله لهم اعتذارا. وأما أولياؤهم من الإنس ، فأبدوا عذرا غير مقبول فقالوا : (رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنا بِبَعْضٍ) أي : تمتع كل من الجنّي والإنسي بصاحبه ، وانتفع به. فالجنّي يستمتع بطاعة الإنسي له ، وعبادته ، وتعظيمه ، واستعاذته به. والإنسي يستمتع بنيل أغراضه ، وبلوغه بحسب خدمة الجنّي له ، بعض شهواته. فإن الإنسي يعبد الجنّي ، فيخدمه الجنّي ، ويحصل له بعض الحوائج الدنيوية. أي : حصل منا من الذنوب ما حصل ، ولا يمكن رد ذلك. (وَبَلَغْنا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنا) أي : وقد وصلنا المحل الذي نجازى فيه بالأعمال. فافعل بنا الآن ، ما تشاء ، واحكم فينا ، بما تريد. قد انقطعت حجتنا ، ولم يبق لنا عذر ، والأمر أمرك ، والحكم حكمك. وكان في هذا الكلام منهم ، نوع تضرع وترقق ، ولكن في غير أوانه. ولهذا حكم فيهم بحكمه العادل ، الذي لا جور فيه فقال (النَّارُ مَثْواكُمْ خالِدِينَ فِيها). ولما كان هذا الحكم ، من مقتضى حكمته وعلمه ، ختم الآية بقوله : (إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ). فكما أن علمه وسع الأشياء كلها وعمّها ، فحكمته الغائية ، شملت الأشياء وعمتها ووسعتها.
[١٢٩] (وَكَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) (١٢٩) أي : وكما ولينا الجن المردة ، وسلطانهم على إضلال أوليائهم من الإنس وعقدنا بينهم عقد الموالاة والموافقة ، بسبب كسبهم وسعيهم بذلك. كذلك من سنتنا ، أن نولي كل ظالم ظالما مثله ، يؤزه إلى الشر ، ويحثه عليه ، ويزهده في الخير ، وينفره عنه ، وذلك من عقوبات الله العظيمة الشنيع أثرها ، البليغ خطرها. والذنب ذنب الظالم ، فهو الذي أدخل الضرر على نفسه ، وعلى نفسه جنى (وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ). ومن ذلك ، أن العباد ، إذا كثر ظلمهم وفسادهم ، ومنعهم الحقوق الواجبة ، ولّى عليهم ظلمة ، يسومونهم سوء العذاب ، ويأخذون منهم ، بالظلم والجور ، أضعاف ما منعوا من حقوق الله ، وحقوق عباده ، على وجه غير مأجورين فيه ، ولا محتسبين. كما أن العباد ، إذا صلحوا واستقاموا ، أصلح الله رعاتهم ، وجعلهم أئمة عدل وإنصاف ، لا ولاة ظلم واعتساف.