[١٥١] يقول تعالى ، لنبيه صلىاللهعليهوسلم : (قُلْ) لهؤلاء الّذين حرّموا ما أحل الله. (تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ) تحريما عاما ، شاملا لكل أحد ، محتويا على سائر المحرمات ، من المآكل ، والمشارب ، والأقوال ، والأفعال. (أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً) أي : لا قليلا ولا كثيرا. وحقيقة الشرك بالله : أن يعبد المخلوق ، كما يعبد الله ، أو يعظم كما يعظم الله ، أو يصرف له نوع من خصائص الربوبية والإلهية. وإذا ترك العبد الشرك كله ، صار موحدا ، مخلصا لله في جميع أحواله. فهذا حق الله على عباده ، أن يعبدوه ، ولا يشركوا به شيئا. ثمّ بدأ بآكد الحقوق بعد حقه فقال : (وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) من الأقوال الكريمة الحسنة ، والأفعال الجميلة المستحسنة. فكل قول وفعل ، يحصل به منفعة للوالدين ، أو سرور لهما ، فإن ذلك من الإحسان ، وإذا وجد الإحسان انتفى العقوق. (وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ) من ذكور وإناث (مِنْ إِمْلاقٍ) أي : بسبب الفقر وضيقتكم من رزقهم ، كما كان ذلك موجودا في الجاهلية القاسية الظالمة. وإذا كانوا منهيين عن قتلهم في هذه الحال ، وهم أولادهم ، فنهيهم عن قتلهم ، لغير موجب ، أو قتل أولاد غيرهم ، من باب أولى ، وأحرى. (نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ) أي : قد تكفلنا برزق الجميع ، فلستم الّذين ترزقون أولادكم ، بل ولا أنفسكم ، فليس عليكم منهم ضيق. (وَلا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ) وهي : الذنوب العظام المستفحشة. (ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ) أي : لا تقربوا الظاهر منها ، والخفي ، أو المتعلق منها بالظاهر ، والمتعلق بالقلب والباطن. والنهي عن قربان الفواحش ، أبلغ من النهي عن مجرد فعلها ، فإنه يتناول النهي عن مقدماتها ، ووسائلها الموصلة إليها. (وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ) وهي : النفس المسلمة ، من ذكر ، وأنثى ، صغير ، وكبير ، بر ، وفاجر ، والكافرة التي قد عصمت ، بالعهد والميثاق. (إِلَّا بِالْحَقِ) كالزاني المحصن ، والنفس بالنفس ، والتارك لدينه ، المفارق للجماعة. (ذلِكُمْ) المذكور (وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) عن الله وصيته ، ثمّ تحفظونها ، ثمّ تراعونها ، وتقومون بها. ودلت الآية ، على أنه بحسب عقل العبد ، يكون قيامه بما أمر الله به.
[١٥٢] (وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ) بأكل ، أو معاوضة على وجه المحاباة لأنفسكم ، أو أخذ من غير سبب. (إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) أي : إلا بالحال التي تصلح بها أموالهم ، وينتفعون بها. فدل هذا ، على أنه لا يجوز قربانها ، والتصرف بها ، على وجه يضر اليتامى ، أو على وجه لا مضرة فيه ولا مصلحة. (حَتَّى يَبْلُغَ) اليتيم (أَشُدَّهُ) أي : حتى يبلغ ويرشد ، ويعرف التصرف. فإذا بلغ أشده ، أعطي ، حينئذ ، ماله ، وتصرف فيه على نظره. وفي هذا دلالة على أن اليتيم ـ قبل بلوغ الأشد ـ محجور عليه ، وأن وليه يتصرف في ماله بالأحظ ، وأن هذا الحجر ، ينتهي ببلوغ الأشد. (وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ) أي : بالعدل ، والوفاء التام. فإذا اجتهدتم في ذلك ، فإننا (لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) أي : بقدر ما تسعه ، ولا تضيق عنه. فمن حرص على الإيفاء ، في الكيل ، والوزن ، ثمّ حصل منه تقصير ، لم يفرط فيه ، ولم يعلمه ، فإن الله غفور رحيم. وبهذه الآية استدل الأصوليون ، بأن الله لا يكلف أحدا ، ما لا يطيق ، وعلى أن من اتقى الله ، فيما أمر ، وفعل ما يمكنه من ذلك ، فلا حرج عليه فيما سوى ذلك. (وَإِذا قُلْتُمْ) قولا تحكمون به بين الناس ، وتفصلون بينهم الخطاب ، وتتكلمون به على المقالات والأحوال (فَاعْدِلُوا) في قولكم ، بمراعاة الصدق فيمن تحبون ، ومن تكرهون والإنصاف ، وعدم كتمان ما يلزم بيانه. فإن الميل ، على من تكره بالكلام فيه ، أو في مقالته ، من الظلم المحرم. بل إذا تكلم العالم على مقالات أهل البدع ، فالواجب عليه ، أن يعطي كل ذي حق حقه ، وأن يبيّن ما فيها ، من الحقّ والباطل ، ويعتبر قربها من الحقّ ، وبعدها منه. وذكر الفقهاء أن القاضي يجب عليه العدل بين الخصمين ، في لحظه ، ولفظه. (وَبِعَهْدِ اللهِ أَوْفُوا) وهذا يشمل العهد الذي عاهده عليه العباد ، من القيام بحقوقه ، والوفاء بها ، ومن العهد الذي يقع التعاهد به بين الخلق. فالجميع ، يجب الوفاء به ، ويحرم نقضه ، والإخلال به. (ذلِكُمْ) الأحكام المذكورة (وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) ما بيّنه لكم من الأحكام ، وتقومون بوصية الله لكم ، حق القيام ، وتعرفون ما فيها ، من الحكم والأحكام.