[١٥٣] ولما بيّن كثيرا من الأوامر الكبار ، والشرائع المهمة ، أشار إليها ، وإلى ما هو أعم منها فقال : (وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً) أي : هذه الأحكام وما أشبهها ، مما بيّنه الله في كتابه ، ووضحه لعباده ، صراط الله الموصل إليه ، وإلى دار كرامته ، المعتدل السهل المختصر. (فَاتَّبِعُوهُ) لتنالوا الفوز والفلاح ، وتدركوا الآمال والأفراح. (وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ) أي : الطرق المخالفة لهذا الطريق. (فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ) أي : تضلكم عنه وتفرقكم ، يمينا وشمالا. فإذا ضللتم عن الصراط المستقيم ، فليس ثمّ إلا طرق توصل إلى الجحيم. (ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) ، فإنكم إذا قمتم بما بينه الله لكم ، علما وعملا ، صرتم من المتقين ، وعباد الله المفلحين. ووحد الصراط ، وأضافه إليه ، لأنه سبيل واحد موصل إليه. والله هو المعين للسالكين ، على سلوكه.
[١٥٤] (ثُمَ) في هذا الموضع ، ليس المراد منها الترتيب الزماني ، فإن زمن موسى عليهالسلام ، متقدم على تلاوة الرسول محمد صلىاللهعليهوسلم هذا الكتاب ، وإنّما المراد ، الترتيب الإخباري. فأخبر أنه آتى (مُوسَى الْكِتابَ) وهو : التوراة (تَماماً) لنعمته ، وكمالا لإحسانه. (عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ) من أمة موسى ، فإن الله أنعم على المحسنين منهم ، بنعم لا تحصى. من جملتها وتمامها ، إنزال التوراة عليهم. فتمت عليهم نعمة الله ، ووجب عليهم القيام بشكرها. (وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ) يحتاجون إلى تفصيله ، من الحلال ، والحرام ، والأمر ، والنهي ، والعقائد ونحوها. (وَهُدىً) أي : يهديهم إلى الخير ، ويعرفهم بالشر ، في الأصول ، والفروع. (وَرَحْمَةً) يحصل لهم بها ، السعادة والرحمة ، والخير الكثير. (لَعَلَّهُمْ) بسبب إنزالنا الكتاب والبينات عليهم. (بِلِقاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ) فإنه اشتمل من الأدلة القاطعة ، على البعث ، والجزاء بالأعمال ، وما يوجب لهم الإيمان ، بلقاء ربهم ، والاستعداد له.
[١٥٥] (وَهذا) القرآن العظيم ، والذكر الحكيم. (كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ) أي : فيه الخير الكثير ، والعلم الغزير. وهو الذي تستمد منه سائر العلوم ، وتستخرج منه البركات. فما من خير ، إلا وقد دعا إليه ، ورغب فيه ، وذكر الحكم والمصالح ، التي تحث عليه. وما من شر ، إلا وقد نهى عنه ، وحذّر منه ، وذكر الأسباب المنفرة عن فعله ، وعواقبها الوخيمة. (فَاتَّبِعُوهُ) فيما يأمر به ، وينهى ، وابنوا أصول دينكم ، وفروعه عليه. (وَاتَّقُوا) الله تعالى أن تخالفوا له أمرا (لَعَلَّكُمْ) إن اتبعتموه (تُرْحَمُونَ). فأكبر سبب لنيل رحمة الله ، اتباع هذا الكتاب ، علما وعملا.
[١٥٦] (أَنْ تَقُولُوا إِنَّما أُنْزِلَ الْكِتابُ عَلى طائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِراسَتِهِمْ لَغافِلِينَ) (١٥٦) أي : أنزلنا إليكم هذا الكتاب المبارك ، قطعا لحجتكم ، وخشية أن تقولوا إنّما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا ، أي : اليهود والنصارى. (وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِراسَتِهِمْ لَغافِلِينَ) أي : تقولون لم تنزل علينا كتابا ، والكتب التي أنزلتها على الطائفتين ، ليس لنا بها علم ولا معرفة. فأنزلنا إليكم كتابا ، لم ينزل من السماء كتاب ، أجمع ، ولا أوضح ، ولا أبين ، منه.
[١٥٧] (أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتابُ لَكُنَّا أَهْدى مِنْهُمْ) أي : إما أن تعتذروا بعدم وصول أصل الهداية