آثرتم الضار على النافع ، والعدو على الوليّ.
[٤] ثمّ حذرهم عقوباته للأمم الّذين كذبوا ما جاءتهم به رسلهم ، فلا يشابهونهم فقال : (وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا) أي : عذابنا الشديد (بَياتاً أَوْ هُمْ قائِلُونَ) أي : في حين غفلتهم ، وعلى غرتهم غافلون ، لم يخطر الهلاك على قلوبهم. فحين جاءهم العذاب ، لم يدفعوه عن أنفسهم ، ولا أغنت عنهم آلهتهم ، التي كانوا يرجونهم ، ولا أنكروا ما كانوا يفعلونه من الظلم والمعاصي.
[٥] (فَما كانَ دَعْواهُمْ إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا إِلَّا أَنْ قالُوا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ) (٥) كما قال تعالى : (وَكَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ كانَتْ ظالِمَةً وَأَنْشَأْنا بَعْدَها قَوْماً آخَرِينَ (١١) فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ (١٢) لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَساكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ (١٣) قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ (١٤) فَما زالَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ حَتَّى جَعَلْناهُمْ حَصِيداً خامِدِينَ) (١٥).
[٦] وقوله : (فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ) أي : لنسألن الأمم ، الّذين أرسل الله إليهم المرسلين ، عما أجابوا رسلهم ، (وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ ما ذا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ) (٦٥) الآيات. (وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ) عن تبليغهم ، لرسالات ربهم ، وعما أجابتهم به أممهم.
[٧] (فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ) أي : على الخلق كلهم ما عملوا (بِعِلْمٍ) منه تعالى لأعمالهم ، (وَما كُنَّا غائِبِينَ) في وقت من الأوقات ، كما قال تعالى : (أَحْصاهُ اللهُ وَنَسُوهُ). وقال تعالى : (وَلَقَدْ خَلَقْنا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرائِقَ وَما كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غافِلِينَ) (١٧).
[٨] ثمّ ذكر الجزاء على الأعمال فقال : (وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُ) إلى قوله : (بِما كانُوا بِآياتِنا يَظْلِمُونَ) أي : والوزن يوم القيامة يكون بالعدل ، والقسط ، الذي لا جور فيه ولا ظلم بوجه. (فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ) بأن رجحت كفة حسناته على سيئاته ، (فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) أي : الناجون من المكروه ، المدركون للمحبوب الّذين حصل لهم الربح العظيم ، والسعادة الدائمة.
[٩] (وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ) بأن رجحت سيئاته ، وصار الحكم لها ، (فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ) إذ فاتهم النعيم المقيم ، وحصل لهم العذاب الأليم ، (بِما كانُوا بِآياتِنا يَظْلِمُونَ) فلم ينقادوا لها ، كما يجب عليهم ذلك.
[١٠] يقول تعالى ممتنا على عباده بذكر المسكن والمعيشة : (وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ) أي : هيأناها لكم ، بحيث تتمكنون من البناء عليها وحرثها ، ووجوه الانتفاع بها. (وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ) مما يخرج من الأشجار والنبات ، ومعادن الأرض ، وأنواع الصنائع والتجارات ، فإنه هو الذي هيأها ، وسخر أسبابها. (قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ) الله ، الذي أنعم عليكم بأصناف النعم ، وصرف عنكم النقم.
[١١] يقول تعالى ، مخاطبا بني آدم : (وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ) بخلق أصلكم ومادتكم التي منها خرجتم ، من أبيكم آدم عليهالسلام (ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ) في أحسن صورة ، وأحسن تقويم ، وعلمه تعالى ما به تكمل صورته الباطنة ، أسماء كل شيء. ثمّ أمر الملائكة الكرام ، أن يسجدوا لآدم ، إكراما واحتراما ، وإظهارا لفضله ، فامتثلوا أمر ربهم ،