التي يأتي منها ، ومداخله التي ينفذ منها ، فله تعالى علينا بذلك ، أكمل نعمة.
[١٨] أي : قال الله لإبليس لما قال ما قال : (اخْرُجْ مِنْها) خروج صغار واحتقار ، لا خروج إكرام بل (مَذْؤُماً) أي : مذموما (مَدْحُوراً) مبعدا عن الله ، وعن رحمته ، وعن كل خير. (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ) أي : منك وممن تبعك منهم (أَجْمَعِينَ) وهذا قسم من الله تعالى ، أن النار دار العصاة ، لا بد أن يملأها من إبليس وأتباعه من الجن والإنس.
[١٩] ثم حذّر آدم شره وفتنته فقال : (وَيا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلا) إلى قوله : (مِنَ الظَّالِمِينَ). أي أمر الله تعالى ، آدم وزوجته حواء ، التي أنعم الله بها عليه ، ليسكن إليها ، أن يأكلا من الجنة حيث شاءا ويتمتعا فيها بما أرادا ، إلا أنه عين لهما شجرة ، ونهاهما عن أكلها ، والله أعلم ، ما هي ، وليس في تعيينها فائدة لنا. وحرّم عليهما أكلها ، بدليل قوله : (فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ) فلم يزالا ممتثلين لأمر الله ، حتى تغلغل إليهما ، عدوهما إبليس بمكره ، فوسوس لهما وسوسة ، خدعهما بها ، وموه عليهما وقال :
[٢٠ ـ ٢١] (ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ) أي : من جنس الملائكة (أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ) كما قال في الآية الأخرى : (إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ). [ومع قوله هذا ، أقسم لهما بالله : (إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ)] (١) أي : من جملة الناصحين ، حيث قلت لكما ، ما قلت. فاغترا بذلك ، وغلبت الشهوة في تلك الحال على العقل.
[٢٢] (فَدَلَّاهُما) أي : أنزلهما عن رتبتهما العالية ، التي هي البعد عن الذنوب والمعاصي إلى التلوث بأوضارها ، فأقدما على أكلها. (فَلَمَّا ذاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما) أي : ظهرت عورة كل منهما بعد ما كانت مستورة ، فصار للعري الباطن من التقوى في هذه الحال ، أثر في اللباس الظاهر ، حتى انخلع ، فظهرت عوراتهما ، ولما ظهرت عوراتهما ، خجلا ، وجعلا يخصفان على عوراتهما ، من أوراق شجر الجنة ، ليستترا بذلك. (وَناداهُما رَبُّهُما) وهما بتلك الحال موبخا ومعاتبا : (أَلَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُما إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبِينٌ) فلم اقترفتما المنهي ، وأطعتما عدوكما؟
[٢٣] فحينئذ ، منّ الله عليهما بالتوبة وقبولها ، فاعترفا بالذنب ، وسألا الله مغفرته فقالا : (رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ) ، أي : قد فعلنا الذنب ، الذي نهيتنا عنه ، وأضررنا بأنفسنا ، باقتراف الذنب ، وقد فعلنا سبب الخسار إن لم تغفر لنا ، بمحو أثر الذنب وعقوبته ، وترحمنا بقبول التوبة والمعافاة من أمثال هذه الخطايا. فغفر الله لهما ذلك (وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَيْهِ وَهَدى) (١٢٢). هذا ، وإبليس مستمر على طغيانه ، غير مقلع عن عصيانه ، فمن أشبه آدم بالاعتراف ، وسؤال المغفرة والندم ، والإقلاع ـ إذا صدرت منه الذنوب ـ اجتباه ربه وهداه. ومن أشبه إبليس ـ إذا صدر منه الذنب ، لا يزال يزداد من المعاصي ـ فإنه لا يزداد من الله
__________________
(١) سقط من المطبوعة التي بين أيدينا ، وهو موافق للسياق.