إلا بعدا.
[٢٤] (قالَ اهْبِطُوا) أي : قال الله ، مخاطبا لآدم وحواء بلفظ الجمع لأن إبليس هبط من قبل إلى السماء ، ثم هبطوا جميعا إلى الأرض. وكرر الأمر لإبليس ، تبعا لهما ، ليعلم أنهم قرناء أبدا ، لأن إبليس ، لا يفارق الإنسان ، بل يلازمه كل الملازمة ، ويبذل كل جهده ، في إضلال بني آدم. وجملة (بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ) في موضع نصب على الحال ، من الضمير الذي هو الواو ، في (اهْبِطُوا). وخلاصة المعنى أن الله قال لهما وللشيطان : اهبطوا جميعا من الجنة إلى الأرض متعادين ، ولكم في الأرض ، استقرار ، وموضع استقرار ، تتمتعون وتنتفعون ، إلى حين انقضاء آجالكم.
[٢٥] أي : لما أهبط الله آدم وزوجته وذريتهما إلى الأرض ، أخبرهما بحال إقامتهم فيها ، وأنه جعل لهم فيها حياة ، يتلوها الموت ، مشحونة بالامتحان والابتلاء ، وأنهم لا يزالون فيها ، يرسل إليهم رسله ، وينزل عليهم كتبه ، حتى يأتيهم الموت ، فيدفنون فيها. ثم إذا استكملوا ، بعثهم الله ، وأخرجهم منها إلى الدار التي هي الدار حقيقة ، التي هي دار المقامة.
[٢٦] ثم امتن عليهم بما يسر لهم ، من اللباس الضروري ، واللباس الذي المقصود منه ، الجمال ، وهكذا سائر الأشياء ، كالطعام ، والشراب ، والمراكب ، والمناكح ونحوها ، قد يسر الله للعباد ضروريها ، ومكمل ذلك ، وبين لهما أن هذا ، ليس مقصودا بالذات ، وإنما أنزله الله ، ليكون معونة لهم على عبادته وطاعته ، ولهذا قال : (وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ) من اللباس الحسي ، فإن لباس التقوى ، يستمر مع العبد ، ولا يبلى ولا يبيد ، وهو جمال القلب والروح. وأما اللباس الظاهري ، فغايته أن يستر العورة الظاهرة ، في وقت من الأوقات. أو يكون جمالا للإنسان ، وليس وراء ذلك منه نفع. وأيضا ، فبتقدير عدم هذا اللباس ، تنكشف عورته الظاهرة ، التي لا يضره كشفها ، مع الضرورة ، وأما بتقدير عدم لباس التقوى ، فإنها تنكشف عورته الباطنة ، وينال الخزي والفضيحة. وقوله : (ذلِكَ مِنْ آياتِ اللهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) أي : ذلك المذكور لكم من اللباس ، مما تذكرون به ، ما ينفعكم ويضركم ، وتستعينون باللباس الظاهر على الباطن.
[٢٧] يقول تعالى ، محذرا لبني آدم ، أن يفعل بهم الشيطان ، كما فعل بأبيهم : (يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ) بأن يزين لكم العصيان ، ويدعوكم إليه ، ويرغبكم فيه ، فتنقادون له (كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ) وأنزلهما من المحل العالي ، إلى أنزل منه. فإياكم يريد أن يفعل بكم كذلك ، ولا يألو جهده عنكم ، حتى يفتنكم ، إن استطاع. فعليكم أن تجعلوا الحذر منه في بالكم ، وأن تلبسوا لأمة الحرب بينكم وبينه ، وأن لا تغفلوا عن المواضع التي يدخل منها إليكم. (إِنَّهُ) يراقبكم على الدوام ، و (يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ) من شياطين الجن (مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ). فعدم الإيمان ، هو الموجب لعقد الولاية بين الإنسان والشيطان. (إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٩٩) إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ).
[٢٨] يقول تعالى ، مبينا لقبح حال المشركين ، الذين يفعلون الذنوب ، وينسبون لله أنه أمرهم بها. (وَإِذا فَعَلُوا