اللهَ قَتَلَهُمْ) حيث أعانكم على ذلك بما تقدم ذكره. (وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى) ، وذلك أن النبي صلىاللهعليهوسلم وقت القتال ، دخل العريش ، وجعل يدعو الله ، ويناشده في نصرته ، ثمّ خرج منه ، فأخذ حفنة من تراب ، فرماها في وجوه المشركين ، فأوصلها الله إلى وجوههم ، فما بقي منهم واحد إلا وقد أصاب وجهه ، وفمه ، وعينيه منها ، فحينئذ انكسر حدهم ، وفتر زندهم ، وبان فيهم الفشل والضعف ، فانهزموا. يقول تعالى لنبيه : لست بقوتك ـ حين رميت التراب ـ أوصلته إلى أعينهم ، وإنّما أوصلناه إليهم ، بقوتنا واقتدارنا. (وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً) أي : إن الله تعالى ، قادر على انتصار المؤمنين من الكافرين ، من دون مباشرة قتال ، ولكن الله أراد أن يمتحن المؤمنين ، ويوصلهم بالجهاد ، إلى أعلى الدرجات ، وأرفع المقامات ، ويعطيهم أجرا حسنا ، وثوابا جزيلا. (إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) يسمع تعالى ، ما أسر به العبد ، وما أعلن ، ويعلم ما في قلبه من النيات الصالحة وضدها ، فيقدر على العباد أقدارا ، موافقة لعلمه وحكمته ، ومصلحة عباده ، ويجزي كلا بحسب نيته وعمله.
[١٨] (ذلِكُمْ) النصر ، من الله لكم (وَأَنَّ اللهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكافِرِينَ) أي : مضعف كل مكر وكيد ، يكيدون به الإسلام وأهله ، وجاعل مكرهم محيقا بهم.
[١٩] (إِنْ تَسْتَفْتِحُوا) أيها المشركون ، أي : تطلبون من الله أن يوقع بأسه وعذابه على المعتدين الظالمين. (فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ) حين أوقع الله بكم من عقابه ، ما كان نكالا لكم ، وعبرة للمتقين (وَإِنْ تَنْتَهُوا) عن الاستفتاح (فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) لأنه ربما أمهلكم ، ولم يعجل لكم النقمة. (وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ) أي : أعوانكم وأنصاركم ، الّذين تحاربون وتقاتلون ، معتمدين عليهم (شَيْئاً وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ). ومن كان الله معه فهو المنصور وإن كان ضعيفا قليلا عدده ، وهذه المعية التي أخبر الله أن يؤيد بها المؤمنين ، تكون بحسب ما قاموا به من أعمال الإيمان.
فإذا أديل العدو على المؤمنين في بعض الأوقات ، فليس ذلك إلا تفريطا من المؤمنين وعدم قيام بواجب الإيمان ومقتضاه وإلا فلو قاموا بما أمر الله به من كل وجه ، لما انهزمت لهم راية انهزاما مستقرا ولا أديل عليهم عدوهم أبدا.
[٢٠] لما أخبر تعالى أنه مع المؤمنين ، أمرهم أن يقوموا بمقتضى الإيمان الذي يدركون معيته فقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ) بامتثال أمرهما واجتناب نهيهما. (وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ) أي : عن هذا الأمر الذي هو طاعة الله ، وطاعة رسوله ، (وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ) ما يتلى عليكم من كتاب الله ، وأوامره ، ووصاياه ، ونصائحه ، فتوليكم في هذه الحال من أقبح الأحوال.
[٢١] (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قالُوا سَمِعْنا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ) (٢١) أي : لا تكتفوا بمجرد الدعوى الخالية ، التي لا حقيقة لها ، فإنها حالة لا يرضاها الله ولا رسوله. فليس الإيمان بالتمني والتحلي ، ولكنه ما وقر في القلوب ، وصدقته الأعمال.
[٢٢] يقول تعالى : (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ) من لم تفد فيهم الآيات والنذر ، وهم (الصُّمُ) عن استماع الحقّ