(الْبُكْمُ) عن النطق به ، (الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ) ما ينفعهم ، ويؤثرونه على ما يضرهم. فهؤلاء شر عند الله ، من شرار الدواب ، لأن الله أعطاهم أسماعا وأبصارا وأفئدة ، ليستعملوها في طاعة الله ، فاستعملوها في معاصيه وعدموا ـ بذلك ـ الخير الكثير. فإنهم كانوا بصدد أن يكونوا من خيار البرية ، فأبوا هذا الطريق ، واختاروا لأنفسهم أن يكونوا من شر البرية. والسمع الذي نفاه الله عنهم ، سمع المعنى المؤثر في القلب ، وأما سمع الحجة ، فقد قامت حجة الله تعالى عليهم ، بما سمعوه من آياته ، وإنّما لم يسمعهم السماع النافع ، لأنه لم يعلم فيهم خيرا يصلحون به لسماع آياته.
[٢٣] (وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ) على الفرض والتقدير (لَتَوَلَّوْا) عن الطاعة (وَهُمْ مُعْرِضُونَ) لا التفات لهم إلى الحقّ ، بوجه من الوجوه. وهذا دليل على أن الله تعالى لا يمنع الإيمان والخير ، إلا عمن لا خير فيه ، والذي لا يزكو لديه ، ولا يثمر عنده. وله الحمد تعالى والحكمة في هذا.
[٢٤ ـ ٢٥] يأمر تعالى عباده المؤمنين بما يقتضيه الإيمان منهم وهو : الاستجابة لله وللرسول ، أي : الانقياد لما أمر به والمبادرة إلى ذلك ، والدعوة إليه ، والاجتناب لما نهيا عنه ، والانكفاف عنه ، والنهي عنه. وقوله : (إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ) وصف ملازم ، لكل ما دعا الله ورسوله إليه ، وبيان لفائدته وحكمته ، فإن حياة القلب والروح بعبودية الله تعالى ، ولزوم طاعته ، وطاعة رسوله ، على الدوام. ثمّ حذر عن عدم الاستجابة لله وللرسول فقال : (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ) فإياكم أن تردوا أمر الله ، أول ما يأتيكم ، فيحال بينكم وبينه إذا أردتموه بعد ذلك ، وتختلف قلوبكم فإن الله يحول بين المرء وقلبه ، يقلب القلوب حيث شاء ، ويصرفها أنى شاء. فليكثر العبد من قول : «يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك ، يا مصرف القلوب ، اصرف قلبي إلى طاعتك». (وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) أي : تجمعون ليوم لا ريب فيه ، فيجازي المحسن بإحسانه ، والمسيء بعصيانه. (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً) بل تصيب فاعل الظلم وغيره ، وذلك إذا ظهر الظلم فلم يغير ، فإن عقوبته ، تعم الفاعل وغيره. وتتّقى هذه الفتنة ، بالنهي عن المنكر ، وقمع أهل الشر والفساد ، وأن لا يمكنوا من المعاصي والظلم مهما أمكن. (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) لمن تعرض لمساخطه ، وجانب رضاه.
[٢٦] يقول تعالى ممتنا على عباده ، في نصرهم بعد الذلة ، وتكثير هم بعد القلة ، وإغنائهم بعد العيلة. (وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ) أي : مقهورون تحت حكم غيركم (تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ) أي : يأخذوكم. (فَآواكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ) فجعل لكم بلدا تأوون إليه ، وانتصر من أعدائكم على أيديكم ، وغنمتم من أموالهم ، ما كنتم به أغنياء. (لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) الله على منته العظيمة ، وإحسانه التام ، بأن تعبدوه ، ولا تشركوا به شيئا.
[٢٧ ـ ٢٨] يأمر تعالى عباده المؤمنين أن يؤدوا ما ائتمنهم الله عليه من أوامره ونواهيه. فإن الأمانة قد عرضها الله على السموات والأرض والجبال ، فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا. فمن أدى