الدالة آياته على الحقائق الإيمانية ، والأوامر والنواهي الشرعية ، الذي على جميع الأمة تلقيه بالرضا والقبول والانقياد. ومع هذا ، فأعرض أكثرهم فهم لا يعلمون ، فتعجبوا (أَنْ أَوْحَيْنا إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ) عذاب الله ، وخوفهم نقم الله ، وذكرهم بآيات الله.
(وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا) إيمانا صادقا (أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ) أي : لهم جزاء موفور ، وثواب مدخور عند ربهم ، بما قدموه ، وأسلفوه من الأعمال الصالحة الصادقة. فتعجب الكافرون من هذا الرجل العظيم تعجبا حملهم على الكفر به ، (قالَ الْكافِرُونَ) عنه : (إِنَّ هذا لَساحِرٌ مُبِينٌ) أي : بيّن السحر ، لا يخفى ـ بزعمهم ـ على أحد ، وهذا من سفههم وعنادهم ، فإنهم تعجبوا من أمر ، ليس مما يتعجب منه ، ويستغرب ، وإنما يتعجب من جهالتهم وعدم معرفتهم بمصالحهم. كيف لم يؤمنوا بهذا الرسول الكريم ، الذي بعثه الله من أنفسهم ، يعرفونه حق المعرفة ، فردوا دعوته ، وحرصوا على إبطال دينه ، والله متمم نوره ، ولو كره الكافرون.
[٣] يقول تعالى ـ مبينا لربوبيته ، وإلهيته ، وعظمته ـ : (إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ) مع أنه قادر على خلقها في لحظة واحدة. ولكن لما له في ذلك من الحكمة الإلهية ، ولأنه رفيق في أفعاله. ومن جملة حكمته فيها ، أنه خلقها بالحق وللحق ، ليعرف بأسمائه وصفاته ويفرد بالعبادة. (ثُمَ) بعد خلق السموات والأرض (اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ) استواء يليق بعظمته. (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ) في العالم العلوي ، والسفلي ، من الإماتة والإحياء ، وإنزال الأرزاق ، ومداولة الأيام بين الناس ، وكشف الضر عن المضرورين ، وإجابة سؤال السائلين. فأنواع التدابير ، نازلة منه ، وصاعدة إليه ، وجميع الخلق ، مذعنون لعزته ، خاضعون لعظمته وسلطانه. (ما مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ) فلا يقدم أحد منهم على الشفاعة ، ولو كان أفضل الخلق ، حتى يأذن الله ، ولا يأذن ، إلا لمن ارتضى ، ولا يرتضي إلا أهل الإخلاص والتوحيد له. (ذلِكُمُ) الذي هذا شأنه (اللهُ رَبُّكُمْ) أي : هو الله الذي له وصف الإلهية الجامعة لصفات الكمال ، ووصف الربوبية الجامعة لصفات الأفعال. (فَاعْبُدُوهُ) أي : أفردوه بجميع ما تقدرون عليه من أنواع العبودية. (أَفَلا تَذَكَّرُونَ) الأدلة الدالة ، على أنه وحده ، المعبود المحمود ، ذو الجلال والإكرام.
[٤] فلما ذكر حكمه القدري ، وهو التدبير العام ، وحكمه الديني ، وهو شرعه ، الذي مضمونه ومقصوده ، عبادته وحده لا شريك له ، ذكر الحكم الجزائي ، وهو : مجازاته على الأعمال بعد الموت ، فقال : (إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً) أي : سيجمعكم بعد موتكم ، لميقات يوم معلوم. (وَعْدَ اللهِ حَقًّا) أي : وعده صادق ، لا بد من إتمامه (إِنَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) ، فالقادر على ابتداء الخلق ، قادر على إعادته. والذي يرى ابتداءه بالخلق ، ثمّ ينكر إعادته للخلق ، فهو فاقد العقل ، منكر لأحد المثلين ، مع إثبات ما هو أولى منه ، فهذا دليل عقلي واضح على المعاد. ثمّ ذكر الدليل النقلي فقال : (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا) بقلوبهم بما أمرهم الله بالإيمان به. (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) بجوارحهم ، من واجبات ، ومستحبات ، (بِالْقِسْطِ) أي : بإيمانهم وأعمالهم ، جزاء قد بينه لعباده ، وأخبر أنه لا تعلم نفس ما أخفي