كَشَفْنا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا إِلى ضُرٍّ مَسَّهُ) أي : استمر في غفلته ، معرضا عن ربه ، كأنه ما جاءه ضر ، فكشفه الله عنه ، فأي ظلم أعظم من هذا الظلم؟ يطلب من الله قضاء غرضه ، فإذا أناله إياه ، لم ينظر إلى حق ربه ، وكأنه ليس عليه لله حق. وهذا تزيين من الشيطان ، زين له ما كان مستهجنا مستقبحا في العقول والفطر. (كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ) أي : المتجاوزين للحد (ما كانُوا يَعْمَلُونَ).
[١٣] يخبر تعالى أنه أهلك الأمم الماضية ، بظلمهم وكفرهم ، بعد ما جاءتهم البينات ، على أيدي الرسل ، وتبين الحقّ ، فلم ينقادوا لها ، ولم يؤمنوا. فأحل بهم عقابه الذي لا يرد عن كل مجرم ، متجرىء على محارم الله ، وهذه سنته في جميع الأمم.
[١٤] (ثُمَّ جَعَلْناكُمْ) أي : المخاطبين (خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) فإن أنتم اعتبرتم واتعظتم بمن قبلكم واتبعتم آيات الله ، وصدقتم رسله ، نجوتم في الدنيا والآخرة. وإن فعلتم كفعل الظالمين قبلكم ، أحل بكم ما أحل بهم ، ومن أنذر فقد أعذر.
[١٥] يذكر تعالى تعنت المكذبين لرسوله محمد صلىاللهعليهوسلم ، وأنهم إذا تتلى عليهم آيات الله القرآنية المبينة للحق ، أعرضوا عنها ، وطلبوا وجوه التعنت فقالوا ، جراءة منهم وظلما : (ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ) فقبحهم الله ، ما أجرأهم على الله ، وأشدهم ظلما ، وردا لآياته. فإذا كان الرسول العظيم ، يأمره الله ، أن يقول لهم : (قُلْ ما يَكُونُ لِي) أي ما ينبغي ، ولا يليق بي (أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي) ، فإني رسول محض ، ليس لي من الأمر شيء ، (إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَ) أي : ليس لي غير ذلك ، فإني عبد مأمور. (إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) ، فهذا قول خير الخلق ، وأدبه مع أوامر ربه ووحيه ، فكيف بهؤلاء السفهاء الضالين ، الّذين جمعوا بين الجهل والضلال ، والظلم والعناد ، والتعنت والتعجيز لرب العالمين ، أفلا يخافون عذاب يوم عظيم؟ فإن زعموا أن قصدهم ، أن يتبين لهم الحقّ بالآيات ، التي طلبوا فهم كذبة في ذلك ، فإن الله قد بين من الآيات ما يؤمن على مثله البشر ، وهو الذي يصرفها كيف يشاء ، تبعا لحكمته الربانية ، ورحمته بعباده.
[١٦ ـ ١٧] (قُلْ لَوْ شاءَ اللهُ ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْراكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً) طويلا (مِنْ قَبْلِهِ) أي : قبل تلاوته ، وقبل درايتكم به ، وأنا ما خطر على بالي ، ولا وقع في ظني. (أَفَلا تَعْقِلُونَ) أني ، حيث لم أتله في مدة عمري ، ولا صدر مني ما يدل على ذلك ، فكيف أتقوّله بعد ذلك ، وقد لبثت فيكم عمرا طويلا ، تعرفون حقيقة حالي ، بأني أمّي ، لا أقرأ ، ولا أكتب ، ولا أدرس ، ولا أتعلم من أحد؟ فأتيتكم بكتاب عظيم ، أعجز الفصحاء ، وأعيا العلماء ، فهل يمكن ـ مع هذا ـ أن يكون من تلقاء نفسي ، أم هذا دليل قاطع أنه تنزيل من حكيم حميد؟ فلو أعملتم أفكاركم وعقولكم ، وتدبرتم حالي وحال هذا الكتاب ، لجزمتم جزما لا يقبل الريب بصدقه ، وأنه الحقّ الذي ليس بعده إلا الضلال ، ولكن إذا أبيتم إلا التكذيب والعناد ، فأنتم لا شك أنكم ظالمون. (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ)؟ فلو كنت متقوّلا ، لكنت أظلم الناس ، وفاتني الفلاح ، ولم تخف عليكم