[٩] يقول تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) أي : جمعوا بين الإيمان ، والقيام بموجبه ومقتضاه من الأعمال الصالحة ، المشتملة على أعمال القلوب ، وأعمال الجوارح ، على وجه الإخلاص والمتابعة. (يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ) أي : بسبب ما معهم من الإيمان ، يثيبهم الله أعظم الثواب ، وهو : الهداية ، فيعلمهم ما ينفعهم ، ويمن عليهم بالأعمال الناشئة عن الهداية ، ويهديهم للنظر في آياته ، ويهديهم في هذه الدار ، إلى الصراط المستقيم ، وفي دار الجزاء إلى الصراط الموصل إلى جنات النعيم ، ولهذا قال : (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ) الجارية على الدوام (فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ). أضافها الله إلى النعيم ، لاشتمالها على النعيم التام. نعيم القلب بالفرح والسرور ، والبهجة والحبور ، ورؤية الرحمن ، وسماع كلامه ، والاغتباط برضاه وقربه ، ولقاء الأحبة والإخوان ، والتمتع بالاجتماع بهم ، وسماع الأصوات المطربات ، والنغمات المشجيات ، والمناظر المفرحات. ونعيم البدن بأنواع المآكل ، والمشارب ، والمناكح ، ونحو ذلك ، مما لا تعلمه النفوس ، ولا خطر ببال أحد ، أو قدر أن يصفه الواصفون.
[١٠] (دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللهُمَ) أي عبادتهم فيها لله ، أولها تسبيح لله وتنزيه له عن النقائص ، وآخرها ، تحميد لله ، فالتكاليف سقطت عنه في دار الجزاء ، وإنّما بقي لهم ، أكمل اللذات ، الذي هو ألذ عليهم من المآكل اللذيذة ، ألا وهو : ذكر الله الذي تطمئن به القلوب ، وتفرح به الأرواح ، وهو لهم بمنزلة النّفس ، من دون كلفة ومشقة. (وَ) أما (تَحِيَّتُهُمْ فِيها) فيما بينهم عند التلاقي والتزاور ، فهو السّلام ، أي : كلام سالم من اللغو والإثم ، موصوف بأنه (سَلامٌ) ، وقد قيل في تفسير قوله : (دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ) إلى آخر الآية ، أن أهل الجنة ـ إذا احتاجوا إلى الطعام والشراب ونحوهما ـ قالوا سبحانك اللهم ، فأحضر لهم في الحال. (وَآخِرُ دَعْواهُمْ) إذا فرغوا (أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ).
[١١] وهذا من لطفه وإحسانه بعباده ، أنه لو عجل لهم الشر ، إذا أتوا بأسبابه ، وبادرهم بالعقوبة على ذلك ، كما يعجل لهم الخير إذا أتوا بأسبابه (لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ) أي لمحقتهم العقوبة. ولكنه تعالى ، يمهلهم ، ولا يهملهم ، ويعفو عن كثير من حقوقه ، فلو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ، ما ترك على ظهرها من دابة. ويدخل في هذا ، أن العبد إذا غضب على أولاده ، أو أهله ، أو ماله ، ربما دعا عليهم دعوة ، لو قبلت منه لهلكوا ، ولأضره ذلك غاية الضرر ، ولكنه تعالى حليم حكيم. وقوله : (فَنَذَرُ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا) أي : لا يؤمنون بالآخرة ، فلذلك لا يستعدون لها ، ولا يعملون ما ينجيهم من عذاب الله ، (فِي طُغْيانِهِمْ) أي : باطلهم ، الذي جاوزروا به الحقّ والحد. (يَعْمَهُونَ) يترددون حائرين ، لا يهتدون السبيل ، ولا يوفقون لأقوم دليل ، وذلك عقوبة لهم على ظلمهم ، وكفرهم بآيات الله.
[١٢] وهذا إخبار عن طبيعة الإنسان ، من حيث هو ، وأنه إذا مسه ضر ، من مرض ، أو مصيبة ، اجتهد في الدعاء ، وسأل الله في جميع أحواله ، قائما ، وقاعدا ، ومضطجعا ، وألح في الدعاء ، ليكشف الله عنه ضره. (فَلَمَّا