بعد وضوحها ، (إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ) أي : من الهلاك والعقاب ، فإنهم صنعوا كصنيعهم ، وسنة الله جارية في الأولين والآخرين. (قُلْ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ) فستعلمون من تكون له العاقبة الحسنة ، والنجاة في الدنيا والآخرة ، وليست إلا للرسل وأتباعهم.
[١٠٣] ولهذا قال : (ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا) من مكاره الدنيا والآخرة ، وشدائدهما. (كَذلِكَ حَقًّا عَلَيْنا) أوجبناه على أنفسنا (نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ) فإن الله يدافع عن الّذين آمنوا ، فإنه ـ بحسب ما مع العبد من الإيمان ـ تحصل له النجاة من المكاره.
[١٠٤] يقول تعالى لنبيه صلىاللهعليهوسلم ، سيد المرسلين ، وإمام المتقين وخير الموقنين : (قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي) أي : في ريب واشتباه ، فإني لست في شك منه ، بل لديّ العلم اليقين أنه الحقّ ، وأن ما تدعون من دون الله باطل ، ولي على ذلك ، الأدلة الواضحة ، والبراهين الساطعة. ولهذا قال تعالى : (فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) من الأنداد ، والأصنام وغيرهما ، لأنها لا تخلق ولا ترزق ، ولا تدبر شيئا من الأمور ، وإنّما هي مخلوقة مسخرة ، ليس فيها ما يقتضي عبادتها. (وَلكِنْ أَعْبُدُ اللهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ) أي : هو الله الذي خلقكم ، وهو الذي يميتكم ، ثمّ يبعثكم ، ليجازيكم بأعمالكم ، فهو الذي يستحق أن يعبد ، ويصلى له ويسجد.
[١٠٥] (وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً) أي : أخلص أعمالك الظاهرة والباطنة لله ، وأقم جميع شرائع الدين حنيفا ، أي : مقبلا على الله ، معرضا عما سواه ، (وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) لا في حالهم ، ولا تكن معهم.
[١٠٦] (وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ) وهذا وصف لكل مخلوق ، أنه لا ينفع ولا يضر ، وإنّما النافع الضار ، هو الله تعالى. (فَإِنْ فَعَلْتَ) أي : دعوت من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك (فَإِنَّكَ إِذاً مِنَ الظَّالِمِينَ) أي : الضارين أنفسهم بإهلاكها. وهذا الظلم هو الشرك كما قال تعالى : (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) ، فإذا كان خير الخلق ، لو دعا مع الله غيره ، لكان من الظالمين المشركين فكيف بغيره؟
[١٠٧] (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (١٠٧) هذا من أعظم الأدلة على أن الله وحده المستحق للعبادة ، فإنه النافع الضار ، المعطي ، المانع ، الذي إذا مس بضر ، كفقر ومرض ، ونحوها (فَلا كاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ) لأن الخلق ، لو اجتمعوا على أن ينفعوا بشيء ، لم ينفعوا إلا بما كتبه الله ، ولو اجتمعوا على أن يضروا أحدا ، لم يقدروا على شيء من ضرره ، إذا لم يرده. ولهذا قال : (وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ) أي : لا يقدر أحد من الخلق ، أن يرد فضله وإحسانه ، كما قال تعالى : (ما يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها وَما يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ). (يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) أي : يختص برحمته من شاء من خلقه ، والله ذو الفضل العظيم ، (وَهُوَ الْغَفُورُ) لجميع الزلات ، الذي يوفق عبده ، لأسباب مغفرته ، ثمّ إذا فعلها العبد ، غفر الله ذنوبه ، كبارها ، وصغارها. (الرَّحِيمُ) الذي وسعت رحمته كل شيء ووصل جوده إلى جميع