زينتها من النساء ، والبنين ، والقناطير المقنطرة ، من الذهب ، والفضة ، والخيل المسومة ، والأنعام والحرث. قد صرف رغبته ، وسعيه وعمله ، في هذه الأشياء ، ولم يجعل لدار القرار من إرادته ، شيئا ، فهذا لا يكون إلا كافرا ، لأنه لو كان مؤمنا ، لكان ما معه من الإيمان ، يمنعه أن تكون جميع إرادته للدار الدنيا ، بل نفس إيمانه وما تيسر له من الأعمال ، أثر من آثار إرادته الدار الآخرة. ولكن هذا الشقي ، الذي كأنه خلق للدنيا وحدها (نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها) أي : نعطيهم ما قسم لهم ، في أم الكتاب من ثواب الدنيا. (وَهُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ) أي : لا ينقصون شيئا ، مما قدر لهم ، ولكن هذا منتهى نعيمهم.
[١٦] (أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ) خالدين فيها أبدا ، لا يفتّر عنهم العذاب ، وقد حرموا جزيل الثواب. (وَحَبِطَ ما صَنَعُوا فِيها) أي : في الدنيا ، أي ، بطل واضمحل ما عملوه مما يكيدون به الحقّ وأهله ، وما عملوه من أعمال الخير التي لا أساس لها ، ولا وجود لشرطها ، وهو الإيمان.
[١٧] يذكر تعالى ، حال رسوله محمد صلىاللهعليهوسلم ومن قام مقامه من ورثته القائمين بدينه ، وحججه الموقنين بذلك ، وأنهم لا يوصف بهم غيرهم ولا يكون أحد مثلهم فقال : (أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ) بالوحي الذي أنزل الله فيه المسائل المهمة ، ودلائلها الظاهرة ، فتيقن تلك البينة. (وَيَتْلُوهُ) أي : يتلو هذه البينة والبرهان ، برهان آخر (شاهِدٌ مِنْهُ) وهو شاهد الفطرة المستقيمة ، والعقل الصحيح حين شهد حقيقة. ما أوحاه الله وشرعه ، وعلم بعقله حسنه ، فازداد بذلك إيمانا إلى إيمانه. (وَ) ثمّ شاهد ثالث (مِنْ قَبْلِهِ) وهو (كِتابُ مُوسى) التوراة ، التي جعلها الله (إِماماً) للناس (وَرَحْمَةً) لهم ، يشهد لهذا القرآن بالصدق ، ويوافقه فيما جاء به من الحقّ. أي : أفمن كان بهذا الوصف ، قد تواردت عليه شواهد الإيمان ، وقامت لديه أدلة اليقين ، كمن هو في الظلمات والجهالات ، ليس بخارج منها؟ لا يستوون عند الله ، ولا عند عباد الله ، (أُولئِكَ) أي : الّذين وفقوا لقيام الأدلة عندهم ، (يُؤْمِنُونَ بِهِ) أي : بالقرآن حقيقة ، فيثمر لهم إيمانهم ، كل خير في الدنيا والآخرة. (وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزابِ) أي : سائر طوائف أهل الأرض ، المتحزبة على رد الحقّ ، (فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ) لا بد من وروده إليها (فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ) ، أي : في أدنى شك (مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ) ، إما جهلا منهم ، وضلالا ، وإما ظلما وعنادا ، وبغيا ، وإلا فمن كان قصده حسنا ، وفهمه مستقيما ، فلا بد أن يؤمن به ، لأنه يرى ما يدعوه إلى الإيمان من كل وجه.
[١٨ ـ ٢٠] يخبر تعالى أنه لا أحد (أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً) ويدخل في هذا ، كل من كذب على الله ، بنسبة شريك له ، أو وصفه بما لا يليق بجلاله ، أو الإخبار عنه ، بما لم يقل ، أو ادعاء النبوة ، أو غير ذلك من الكذب على الله. فهؤلاء أعظم الناس ظلما (أُولئِكَ يُعْرَضُونَ عَلى رَبِّهِمْ) ليجازيهم بظلمهم ، فعند ما يحكم عليهم بالعقاب الشديد (وَيَقُولُ الْأَشْهادُ) أي : الّذين شهدوا عليهم بافترائهم وكذبهم : (هؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلى رَبِّهِمْ