بنعم الله على عباد الله وذلك يحمله على الأشر والبطر والإعجاب بالنفس ، والتكبر على الخلق ، واحتقارهم ، وازدرائهم ، وأي عيب أشد من هذا؟ وهذه طبيعة الإنسان من حيث هو ، إلا من وفقه الله ، وأخرجه من هذا الخلق الذميم إلى ضده ، وهم الّذين صبروا أنفسهم عند الضراء ، فلم ييأسوا ، وعند السراء ، فلم يبطروا ، وعملوا الصالحات من واجبات ومستحبات. (أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ) لذنوبهم ، يزول بها عنهم كل محذور. (وَأَجْرٌ كَبِيرٌ) وهو : الفوز بجنات النعيم ، التي فيها ما تشتهيه الأنفس ، وتلذ الأعين.
[١٢] يقول تعالى ـ مسليا لنبيه محمد صلىاللهعليهوسلم عن تكذيب المكذبين ـ : (فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ وَضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ) ، أي : لا ينبغي هذا لمثلك ، أن قولهم يؤثر فيك ، ويصدك عما أنت عليه ، فتترك بعض ما يوحى إليك ، ويضيق صدرك لتعنتهم بقولهم : (لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جاءَ مَعَهُ مَلَكٌ). فإن هذا القول ناشىء من تعنت ، وظلم ، وعناد ، وضلال ، وجهل بمواقع الحجج والأدلة. فامض على أمرك ، ولا تصدك هذه الأقوال الركيكة التي لا تصدر إلى من سفيه ولا يضق لذلك صدرك. فهل أوردوا عليك حجة ، لا تستطيع حلها؟ أم قدحوا ببعض ما جئت به قدحا ، يؤثر فيه ، وينقص قدره ، فيضيق صدرك لذلك؟ أم عليك حسابهم ، ومطالب بهدايتهم جبرا؟ و (إِنَّما أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ) فهو الوكيل عليهم ، يحفظ أعمالهم ، ويجازيهم بها أتم الجزاء.
[١٣ ـ ١٤] (أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ) أي : افترى محمد هذا القرآن؟ فأجابهم بقوله : (قُلْ) لهم (فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) أي : إن كان قد افتراه ، فإنه لا فرق بينكم وبينه في الفصاحة والبلاغة ، وأنتم الأعداء حقا ، الحريصون بغاية ما يمكنكم على إبطال دعوته ، فإن كنتم صادقين ، فأتوا بعشر سور مثله مفتريات. (فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ) على شيء من ذلكم (فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللهِ) من عند الله ، لقيام الدليل والمقتضى ، وانتفاء المعارض. (وَأَنْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) أي : واعلموا (أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) أي : هو المستحق للألوهية والعبادة ، (فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) أي : منقادون لألوهيته مستسلمون لعبوديته. وفي هذه الآيات ، إرشاد إلى أنه لا ينبغي للداعي إلى الله ، أن يصده اعتراض المعترضين ، ولا قدح القادحين. خصوصا ، إذا كان القدح لا مستند له ، ولا يقدح فيما دعا إليه ، وأنه لا يضيق صدره ، بل يطمئن بذلك ، ماضيا على أمره ، مقبلا على شأنه. وأنه لا يجب إجابة اقتراحات المقترحين للأدلة التي يختارونها ، بل يكفي إقامة الدليل ، السالم عن المعارض ، على جميع المسائل والمطالب. وفيها أن هذا القرآن ، معجز بنفسه ، لا يقدر أحد من البشر أن يأتي بمثله ، ولا بعشر سور مثله ، بل ولا سورة من مثله ، لأن الأعداء البلغاء الفصحاء ، تحداهم الله بذلك ، فلم يعارضوه ، لعلمهم أنهم لا قدرة فيهم على ذلك. وفيها : أن مما يطلب فيه العلم ، ولا يكفي غلبة الظن ، علم القرآن ، وعلم التوحيد ، لقوله تعالى : (فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللهِ وَأَنْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ).
[١٥] يقول تعالى : (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها) ، أي : كل إرادته ، مقصورة على الحياة الدنيا ، وعلى