بِخَيْرٍ) أي : فلا تتسببوا إلى زواله بفعلكم. ومنها : أن على العبد أن يقنع بما آتاه الله ويقنع بالحلال عن الحرام وبالمكاسب المباحة عن المكاسب المحرمة ، وأن ذلك خير له لقوله : (بَقِيَّتُ اللهِ خَيْرٌ لَكُمْ) ، ففي ذلك من البركة وزيادة الرزق ، ما ليس في التكالب على الأسباب المحرمة من المحق ، وضد البركة. ومنها : أن ذلك من لوازم الإيمان ، وآثاره ، فإنه رتب العمل به على وجود الإيمان ، فدل على أنه إذا لم يوجد العمل ، فالإيمان ناقص ، أو معدوم. ومنها : أن الصلاة لم تزل مشروعة للأنبياء المتقدمين ، وأنها من أفضل الأعمال ، حتى إنه متقرر عند الكفار فضلها ، وتقديمها على سائر الأعمال ، وأنها تنهى عن الفحشاء والمنكر ، وهي ميزان للإيمان وشرائعه. فبإقامتها على وجهها ، تكمل أحوال العبد ، وبعدم إقامتها ، تختل أحواله الدينية. ومنها : أن المال الذي يرزقه الله الإنسان ـ وإن كان الله قد خوّله إياه ـ فليس له أن يصنع فيه ما يشاء ، فإنه أمانة عنده ، عليه أن يقيم حق الله فيه ، بأداء ما فيه من الحقوق ، والامتناع من المكاسب التي حرمها الله ورسوله. لا كما يزعمه الكفار ، ومن أشبههم ، أن أموالهم لهم أن يصنعوا فيها ما يشاؤون ويختارون ، سواء وافق حكم الله ، أو خالفه. ومنها : أن من تكملة دعوة الداعي وتمامها أن يكون أول مبادر لما يأمر غيره به ، وأول منته ، عما ينهى غيره عنه ، كما قال شعيب عليهالسلام : (وَما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ) ولقوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ) (٢). ومنها : أن وظيفة الرسل ، وسنتهم ، وملتهم ، إرادة الإصلاح بحسب القدرة والإمكان بتحصيل المصالح وتكميلها ، أو بتحصيل ما يقدر عليه منها ، وبدفع المفاسد وتقليلها ، ويراعون المصالح الخاصة. وحقيقة المصلحة ، هي التي تصلح بها أحوال العباد ، وتستقيم بها أمورهم الدينية والدنيوية. ومنها : أن من قام بما يقدر عليه من الإصلاح ، لم يكن ملوما ولا مذموما في عدم فعله ، ما لا يقدر عليه ، فعلى العبد أن يقيم من الإصلاح في نفسه ، وفي غيره ، ما يقدر عليه. ومنها : أن العبد ، ينبغي له أن لا يتكل على نفسه طرفة عين ، بل لا يزال مستعينا بربه ، متوكلا عليه ، سائلا له التوفيق ، وإذا حصل له شيء من التوفيق ، فلينسبه لموليه ومسديه ، ولا يعجب بنفسه لقوله : (وَما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ). ومنها : الترهيب بأخذات الأمم ، وما جرى عليهم ، وأنه ينبغي أن تذكر القصص التي فيها إيقاع العقوبات بالمجرمين في سياق الوعظ والزجر. كما أنه ينبغي ذكر ما أكرم الله به أهل التقوى عند الترغيب والحث على التقوى. ومنها : أن التائب من الذنب كما يسمح له عن ذنبه ، ويعفى عنه ، فإن الله تعالى يحبه ويوده. ولا عبرة بقول من يقول : «إن التائب إذا تاب ، فحسبه أن يغفر له ، ويعود عليه بالعفو ، وأما عود الود والحب فإنه لا يعود». فإن الله قال : (وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ) (٩٠). ومنها : أن الله يدفع عن المؤمنين بأسباب كثيرة ، قد يعلمون بعضها ، وقد لا يعلمون شيئا منها. وربما دفع عنهم بسبب قبيلتهم ، وأهل وطنهم الكفار ، كما دفع الله عن شعيب ، رجم قومه ، بسبب رهطه. وأن هذه الروابط التي يحصل بها الدفع عن الإسلام والمسلمين ، لا بأس بالسعي فيها ، بل ربما تعين ذلك ، لأن الإصلاح مطلوب ، على حسب القدرة والإمكان. فعلى هذا ، لو سعى المسلمون