الهدى ، وينهون عن الفساد والردى ، فحصل من نفعهم ، وأبقيت به الأديان ، ولكنهم قليلون جدا. وغاية الأمر ، أنهم نجوا باتباعهم المرسلين ، وقيامهم بما قاموا به من دينهم ، ويكون حجة الله أجراها على أيديهم ، ليهلك من هلك عن بيّنة ويحيا من حيّ عن بيّنة. (وَ) لكن (اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا ما أُتْرِفُوا فِيهِ) أي : اتبعوا ما هم فيه من النعيم والترف ، ولم يبغوا به بدلا. (وَكانُوا مُجْرِمِينَ) أي : ظالمين ، باتباعهم ما أترفوا فيه ، فلذلك حق عليهم العقاب ، واستأصلهم العذاب. وفي هذا حث لهذه الأمة أن يكون فيهم بقايا مصلحون ، لما أفسد الناس ، قائمون بدين الله ، يدعون من ضل إلى الهدى ، ويصبرون منهم على الأذى ، ويبصرونهم من العمى. وفي هذه الحالة ، أعلى حالة يرغب فيها الراغبون ، وصاحبها يكون إماما في الدين ، إذ جعل عمله خالصا لرب العالمين.
[١١٧] أي : وما كان الله ليهلك القرى بظلم منه لهم ، والحال أنهم مصلحون ، أي : مقيمون على الصلاح ، مستمرون عليه. فما كان الله ليهلكهم إلا إذا ظلموا ، وقامت عليهم حجة الله. ويحتمل أن المعنى : وما كان ربك ليهلك القرى بظلمهم السابق ، إذا رجعوا وأصلحوا عملهم. فإن الله يعفو عنهم ، ويمحو ما تقدم من ظلمهم.
[١١٨ ـ ١١٩] يخبر تعالى أنه لو شاء لجعل الناس أمة واحدة على الدين الإسلامي ، فإن مشيئته غير قاصرة ، ولا يمتنع عليه شيء ، ولكنه اقتضت حكمته أن لا يزالوا مختلفين ، مخالفين للصراط المستقيم ، متبعين للسبل الموصلة إلى النار ، كل يرى الحق فيما قاله ، والضلال في قول غيره. (إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ) فهداهم إلى العلم بالحق والعمل به ، والاتفاق عليه ، فهؤلاء سبقت لهم سابقة السعادة ، وتداركتهم العناية الربانية والتوفيق الإلهي. وأما من عداهم فهم مخذولون موكولون إلى أنفسهم. وقوله : (وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ) أي : اقتضت حكمته ، أنه خلقهم ، ليكون منهم السعداء والأشقياء ، والمتفقون والمختلفون ، والفريق الذي هدى الله ، والفريق الذي حقت عليهم الضلالة ، ليتبين للعباد عدله ، وحكمته ، وليظهر ما كمن من الطباع البشرية من الخير والشر ، ولتقوم سوق الجهاد والعبادات التي لا تتم ولا تستقيم إلا بالامتحان والابتلاء. (وَ) لأنه (تَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) فلا بد أن ييسر للنار أهلا ، يعملون بأعمالها الموصلة إليها.
[١٢٠] لما ذكر في هذه السورة من أخبار الأنبياء ، ما ذكر ، ذكر الحكمة في ذكر ذلك فقال : (وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ) أي ، قلبك ليطمئن ، ويثبت ، وتصبر ، كما صبر أولو العزم من الرسل. فإن النفوس تأنس بالاقتداء ، وتنشط على الأعمال ، وتريد المنافسة لغيرها ، ويتأيد الحق بذكر شواهده ، وكثرة من قام به. (وَجاءَكَ فِي هذِهِ) السورة (الْحَقُ) اليقين ، فلا شك فيه بوجه من الوجوه ، فالعلم بذلك من العلم بالحق الذي هو أكبر فضائل النفوس. (وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ) أي : يتعظون به ، فيرتدعون عن الأمور المكروهة ، ويتذكرون الأمور المحبوبة لله ، فيفعلونها.
[١٢١ ـ ١٢٢] وأما من ليس من أهل الإيمان ، فلا تنفعهم المواعظ ، وأنواع التذكير ، ولهذا قال : (وَقُلْ لِلَّذِينَ لا