المؤمنين أن يستقيموا كما أمروا ، فيسلكوا ما شرعه الله من الشرائع ، ويعتقدوا ما أخبر الله من العقائد الصحيحة ، ولا يزيغوا عن ذلك ، يمنة ، ولا يسرة ، ويدوموا على ذلك ، ولا يطغوا ، بأن يتجاوزوا ما حده الله لهم من الاستقامة. وقوله : (إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) أي : لا يخفى عليه من أعمالكم شيء ، وسيجازيكم عليها. ففيه ترغيب لسلوك الاستقامة ، وترهيب من ضدها ، ولهذا حذرهم عن الميل إلى من تعدى الاستقامة فقال : (وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا) فإنكم إذا ملتم إليهم ، ووافقتموهم على ظلمهم ، أو رضيتم ما هم عليه من الظلم (فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ) إن فعلتم ذلك (وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ أَوْلِياءَ) يمنعونكم من عذاب الله ، ولا يحصلون لكم شيئا من ثواب الله. (ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ) أي : لا يدفع عنكم العذاب إذا مسكم. ففي هذه الآية : التحذير من الركون إلى كل ظالم ، والمراد بالركون ، الميل والانضمام إليه بظلمه ، وموافقته على ذلك ، والرضا بما هو عليه من الظلم. وإذا كان هذا الوعيد في الركون إلى الظلمة ، فكيف حال الظلمة؟ نسأل الله العافية من الظلم.
[١١٤] يأمر تعالى بإقامة الصلاة كاملة (طَرَفَيِ النَّهارِ) أي : أوله وآخره ، ويدخل في هذا ، صلاة الفجر ، وصلاتا الظهر والعصر ، (وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ) ويدخل في ذلك صلاة المغرب والعشاء ، ويتناول ذلك قيام الليل ، فإنها مما تزلف العبد ، وتقربه إلى الله تعالى. (إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ) أي : فهذه الصلوات الخمس ، وما ألحق بها من التطوعات من أكبر الحسنات ، وهي : ـ مع أنها حسنات ـ تقرب إلى الله ، وتوجب الثواب ، فإنها تذهب السيئات وتمحوها ، والمراد بذلك : الصغائر ، كما قيدتها الأحاديث الصحيحة عن النبي صلىاللهعليهوسلم مثل قوله : «والصلوات الخمس ، والجمعة إلى الجمعة ، ورمضان إلى رمضان ، مكفرات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر» ، بل كما قيدتها الآية التي في سورة النساء ، وهي قوله عزوجل : ، (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً) (٣١). ذلك ولعل الإشارة لكل ما تقدم من لزوم الاستقامة على الصراط المستقيم وعدم مجاوزته وتعديه ، وعدم الركون إلى الذين ظلموا. والأمر بإقامة الصلاة ، وبيان أن الحسنات يذهبن السيئات ، الجميع (ذِكْرى لِلذَّاكِرِينَ) يفهمون بها ما أمرهم الله به ، ونهاهم عنه ، ويمتثلون لتلك الأوامر الحسنة المثمرة للخيرات ، الدافعة للشرور والسيئات.
[١١٥] ولكن تلك الأمور ، تحتاج إلى مجاهدة النفس ، والصبر عليها ولهذا قال : (وَاصْبِرْ) أي : احبس نفسك على طاعة الله ، وعن معصيته ، وإلزامها لذلك ، واستمر ولا تضجر. (فَإِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) بل يتقبل الله عنهم أحسن الذي عملوا ، ويجزيهم أجرهم ، بأحسن ما كانوا يعملون. وفي هذا ترغيب عظيم ، للزوم الصبر ، بتشويق النفس الضعيفة ، إلى ثواب الله ، كلما ونت وفترت.
[١١٦] لما ذكر تعالى إهلاك الأمم المكذبة للرسل ، وأن أكثرهم منحرفون عن أهل الكتب الإلهية وذلك كله يقضي على الأديان بالذهاب والاضمحلال ، ذكر أنه لولا أنه جعل في القرون الماضية بقايا من أهل الخير يدعون إلى