يشفعون إلا بإذنه ، (فَمِنْهُمْ) أي : الخلق (شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ) ، فالأشقياء هم الذين كفروا بالله ، وكذبوا رسله ، وعصوا أمره ، والسعداء هم : المؤمنون المتقون.
[١٠٦ ـ ١٠٨] وأما جزاؤهم (فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا) أي : حصلت لهم الشقاوة ، والخزي والفضيحة ، (فَفِي النَّارِ) منغمسون في عذابها ، مشتد عليهم عقابها ، (لَهُمْ فِيها) من شدة ما هم فيه (زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ) وهو أشنع الأصوات وأقبحها. (خالِدِينَ فِيها) أي : في النار التي هذا عذابها (ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ) أي : خالدين فيها أبدا ، إلا المدة التي شاء الله أن لا يكونوا فيها ، كما قاله جمهور المفسرين. فالاستثناء على هذا ، راجع إلى ما قبل دخولها ، فهم خالدون فيها جميع الأزمان ، سوى الزمن الذي قبل الدخول فيها. (إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ) فكل ما أراد فعله واقتضته حكمته ، فعله ، تبارك وتعالى ، لا يرده أحد عن مراده. (وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا) أي : حصلت لهم السعادة ، والفلاح ، والفوز ، (فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ) ثم أكد ذلك بقوله : (عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ) أي : ما أعطاهم الله من النعيم المقيم ، واللذة العالية ، فإنه دائم مستمر ، غير منقطع بوقت من الأوقات ، نسأل الله الكريم من فضله أن يجعلنا منهم.
[١٠٩] يقول الله تعالى لرسوله محمد صلىاللهعليهوسلم : (فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هؤُلاءِ) المشركون ، أي : لا تشك في حالهم ، وأن ما هم عليه باطل ، فليس لهم دليل شرعي ولا عقلي ، وإنما دليلهم وشبهتهم أنهم (ما يَعْبُدُونَ إِلَّا كَما يَعْبُدُ آباؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ). ومن المعلوم أن هذا ليس بشبهة ، فضلا عن أن يكون دليلا ، لأن أقوال ما عدا الأنبياء ، يحتج بها ، خصوصا أمثال هؤلاء الضالين ، الذين كثر خطؤهم وفساد أقوالهم في أصول الدين ، فإن أقوالهم ، وإن اتفقوا عليها ، فإنها خطأ وضلال. (وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ) أي : لا بد أن ينالهم نصيب من الدنيا ، مما كتب لهم وإن كثر ذلك النصيب ، أو راق في عينك ، فإنه لا يدل على صلاح حالهم ، فإن الله يعطي الدنيا من يحب ، ومن لا يحب ، ولا يعطي الإيمان والدين الصحيح إلا من يحب. والحاصل أنه لا يغتر باتفاق الضالين على قول الضالين من آبائهم الأقدمين ، ولا على ما خولهم الله ، وآتاهم من الدنيا.
[١١٠] يخبر تعالى أنه آتى موسى الكتاب الذي هو التوراة ، الموجب للاتفاق على أوامره ونواهيه ، والاجتماع ، ولكن مع هذا ، فإن المنتسبين إليه ، اختلفوا فيه اختلافا ، أضر بعقائدهم ، وبجامعتهم الدينية. (وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ) بتأخيرهم ، وعدم معاجلتهم بالعذاب (لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ) بإحلال العقوبة بالظالم ، ولكنه تعالى ، اقتضت حكمته أن أخر القضاء بينهم إلى يوم القيامة ، وبقوا في شك مريب. وإذا كانت هذه حالهم ، مع كتابهم فمع القرآن الذي أوحاه الله إليك غير مستغرب ، من طائفة اليهود ، أن لا يؤمنوا به ، وأن يكونوا في شك منه مريب.
[١١١] (وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمالَهُمْ) أي : لا بد أن يقضي الله بينهم يوم القيامة بحكمه العدل فيجازي كلا بما يستحق. (إِنَّهُ بِما يَعْمَلُونَ) من خير وشر (خَبِيرٌ) فلا يخفى عليه شيء من أعمالهم ، دقيقها وجليلها.
[١١٢ ـ ١١٣] ثم لما أخبر بعدم استقامتهم ، التي أوجبت اختلافهم وافتراقهم ، أمر نبيه محمدا صلىاللهعليهوسلم ومن معه من