الْجُبِ) وتتوعدوه ، على أنه لا يخبر بشأنكم ، بل على أنه عبد مملوك آبق ، لأجل أن (يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ) الذين يريدون مكانا بعيدا ، فيحتفظوا به. وهذا القائل أحسنهم رأيا في يوسف ، وأبرهم ، وأتقاهم في هذه القضية. فإن بعض الشر ، أهون من بعض ، والضرر الخفيف ، يدفع به الضرر الثقيل.
[١١] فلما اتفقوا على هذا الرأي (قالُوا يا أَبانا ما) إلى قوله : (إِنَّا إِذاً لَخاسِرُونَ) ، أي : قال إخوة يوسف ، متوصلين إلى مقصدهم لأبيهم : (يا أَبانا ما لَكَ لا تَأْمَنَّا عَلى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَناصِحُونَ) أي : لأي شيء يدخلك الخوف منا ، على يوسف ، من غير سبب ، ولا موجب؟ (وَ) الحال (إِنَّا لَهُ لَناصِحُونَ) أي : مشفقون عليه ، نود له ما نود لأنفسنا ، وهذا يدل على أن يعقوب عليهالسلام ، لا يترك يوسف يذهب مع إخوته للبرية ونحوها.
[١٢] فلما نفوا عن أنفسهم التهمة المانعة ، لعدم إرساله معهم ، ذكروا له من مصلحة يوسف وأنسه ، الذي يحبه أبوه له ، ما يقتضي أن يسمح بإرساله معهم ، فقالوا : (أَرْسِلْهُ مَعَنا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ) أي : يتنزه في البرية ويستأنس ، (وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) أي : سنراعيه ، ونحفظه من كل أذى يريده.
[١٣ ـ ١٤] فأجابهم بقوله : (إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ) أي : مجرد ذهابكم به ، يحزنني ، ويشق عليّ ، لأنني لا أقدر على فراقه ، ولو مدة يسيرة. فهذا مانع من إرساله (وَ) مانع ثان ، وهو : أني (أَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غافِلُونَ) أي : في حال غفلتكم عنه ، لأنه صغير ، لا يمتنع من الذئب. (قالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ) أي : جماعة ، حريصون على حفظه ، (إِنَّا إِذاً لَخاسِرُونَ) أي : لا خير فينا ، ولا نفع يرجى منا ، إن أكله الذئب ، وغلبنا عليه. فلما مهدوا لأبيهم الأسباب الداعية لإرساله ، وعدم الموانع ، سمح حينئذ بإرساله معهم ، لأجل أنسه.
[١٥ ـ ١٧] أي : لما ذهب إخوة يوسف ، بعد ما أذن له أبوه ، وعزموا أن يجعلوه في غيابة الجب ، كما قال قائلهم ، السابق ذكره ، وكانوا قادرين على ما أجمعوا عليه ، فنفذوا فيه قدرتهم ، وألقوه في الجب ، ثم إن الله ، لطف به ، بأن أوحى إليه وهو بتلك الحال الحرجة ، (لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) أي : سيكون منك معاتبة لهم ، وإخبار عن أمرهم هذا ، وهم لا يشعرون بذلك الأمر. ففيه بشارة له ، بأنه سينجو مما وقع فيه ، وأن الله سيجمعه بأهله وإخوته ، على وجه العز والتمكين له ، في الأرض. (وَجاؤُ أَباهُمْ عِشاءً يَبْكُونَ) (١٦) ليكون إتيانهم ، متأخرا عن عادتهم ، وبكاؤهم دليلا لهم ، وقرينة على صدقهم ، فقالوا ـ معتذرين بعذر كاذب ـ ، (يا أَبانا إِنَّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ) إما على الأقدام ، أو بالرمي والنضال ، (وَتَرَكْنا يُوسُفَ عِنْدَ مَتاعِنا) توفيرا له وراحة ، (فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ) في حال غيابنا عنه واستباقنا ، (وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا وَلَوْ كُنَّا صادِقِينَ) أي : اعتذرنا بهذا العذر ، والظاهر أنك لا تصدقنا ، لما في قلبك من الحزن على يوسف ، والرقة الشديدة عليه.
[١٨] ولكن عدم تصديقك إيانا ، لا يمنعنا أن نعتذر بالعذر الحقيقي ، وكل هذا ، تأكيد لعذرهم ، (وَ) مما أكدوا به قولهم ، أنهم (جاؤُ عَلى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ) زعموا ، أنه دم